ضرورة لكان نصب الدليل عبثا!» كما عقّب على الآيات الخمس الأولى من سورة الجاثية.
وقبل أن نمضي معه في بعض «النماذج» القرآنية الأخرى التي «يحقق» فيها مذهبه في اكتساب المعارف، نودر فيما يلي نصين هامين يوضحان مذهب الجاحظ في ضرورتها، أحدهما أورده الشريف المرتضى نقلا عن مقالات الكعبي. والثاني أورده الحاكم نفسه وهو بسبيل التفريق بين «أصحاب المعارف وأهل التجاهل». قال البلخي: «تفرّد الجاحظ بالقول بأن المعرفة طباع، وهي مع ذلك فعل للعباد على الحقيقة. وكان يقول في سائر الأفعال إنها تنسب إلى العباد على أنها وقعت منهم طباعا وإنها وجبت بإرادتهم. وليس بجائز أن يبلغ أحد فلا يعرف الله تعالى.
والكفار عنده بين معاند وبين عارف قد استغرقه حبّه لمذهبه وشغفه به وإلفه وعصبيته، فهو لا يشعر بما عنده من المعرفة بخلافه» «١».
وقال الحاكم: «فأما من يقول: جميع المعارف ضرورة مع إقرارهم بالتوحيد والنبوات والشرائع، كالجاحظ وأصحابه، فإنهم يثبتون النظر في الأدلة، ويزعمون أن المكلّف لا يكلّف المعرفة، ولكن يكلف النظر، ثم تقع المعارف عند النظر طباعا، فهذا وإن كان فاسدا فليس بداخل في حد التجاهل، وإنما هو بمنزلة سائر المسائل المختلف فيها، كاختلافهم في التولدات ونحوها.. » «٢».
(٢) شرح العيون ١/ ورقة ٣.