الدوام في فلسفته وفكرته العامة، وفي فروعه وجزئياته الكثيرة. فمذهب الحاكم وإن كان يقابله في أصوله وفروعه آراء ومذاهب متعددة إلا أن الذي لا يغيب عن ذهن الحاكم بحال- وكما يبدو ذلك جليا في تفسيره- أن المناقض الأكبر للعدل والتوحيد إنما هو مذهب الجبر، ولهذا تجد مقابلته الرئيسية في كتابه بين هذين المذهبين- ويذكرنا هذا في الواقع بما قيل من أسباب قتله رحمه الله- وربما حفل بالرد على المرجئة والخوارج وسائر الفرق الأخرى- كما قدمنا- في بعض الآيات، ولكنه لا ينتقل عن ذلك إلى المقابلة بينها وبين المعتزلة، وقد تكون هذه الآيات مما كثرت الإشارة اليه من علماء العدل السابقين، ولكن الحال ليست كذلك فى الآيات الدالة على فساد مذهب الجبر إن لم نقل: على التحقيق، فعلى الرأي الأرجح.
لأن الإسراف الذي وقع فيه الحاكم في هذا الباب، قلما يقع من غير دارس متبرم بمذهب الخصم، حانق عليه، ساع إلى ابطاله بكل ما يستطيع، شاعر فوق ذلك أن هذا المذهب المشوه المناقض لآيات الكتاب هو الخطر الذي يتهدد مذهبه الصحيح في العدل والتوحيد، إن لم يكن- في نظره وفي الواقع- هو المذهب الذي يهدد حياة المسلمين وحركتهم في الجهاد والحضارة بالشلل والموت. ولهذا فإن الحاكم كان، فيما نرى، يستقرئ النصوص- كلّ النصوص- أن تنطق برد مذهب الجبر!
وإذا كان من التجني على الحاكم أن ندّعي أنه لم يجد في المئات من هذه النصوص ما ينقض هذا المذهب، وما يدل في بعضها على مذهبه في العدل والتوحيد- على بعض وجوه التأويل- فإن من التجني على الحقيقة:
الحكم بصحة الطريقة التي سلكها إلى هذا الغرض، وإن كان لا يصعب