علينا فهم نوازعه النفسية الى سلوك هذه الطريق يوم هاله انتصار مذهب المجبرة في عصره، كما أشرنا إلى ذلك في التمهيد لهذه الرسالة. ومعلوم أن الحاكم والقاضي عبد الجبار لا يرون في كسب الأشعري غير صورة من صور الجبر، وقد أفاض القاضي في بيان أن هذه الصورة شديدة التشويه وأنها لا يصح لها معنى من الأصل!! «١» قال الحاكم: «وما تقوله المجبرة في الكسب لا يعقل، لأن عندهم أنه تعالى أحدث أفعالهم وأوجدها بجميع صفاتها، فما الكسب وما تأثير العبد؟!» «٢».
وبهذا نستطيع أن نؤيد ما ذهبنا الى ترجيحه من انفراده من بين سائر المعتزلة الذين سبقوه، بظاهرة منازلة المجبرة بعنف، ومحاولة «استقصاء» الردود عليهم في جميع القرآن الكريم.
أما نوازعه النفسية الى ذلك فنستطيع تأكيدها- فوق ما ذكرنا- ببعض مواقفه وتعليقاته العابرة في عدة مواضع من تفسيره: قال في قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً... ) «٣» إن الآية تدل على أن الواجب على المرء، بعد إصلاح نفسه، النصيحة في الدين، والدعاء إلى الله، وأن يبدأ بأقاربه وأهاليه. وذكر أن ذلك يتضمن تعليم أصول الدين وفروعه، والأمر بالطاعة والنهي عن المعصية. ثم قال:
«ومتى قيل: إذا كان في زمان الجبر والتشبيه، فلا يمكنه أن يعلمهم
(٢) التهذيب، المجلد الأول، ورقة ١٦٨.
(٣) الآية ٦ سورة التحريم، التهذيب ورقة ١٠٦/ و.