أما طريق بيان المتشابه عند الحاكم فهي بأن «يرد إلى المحكم ويرتّب عليه وعلى أدلة العقول» «١» وقد أكد هذا المعنى في آخر تفسيره فقال:
إن المراد بالمحكم يعرف بظاهره «والمتشابه يحمل على أدلة العقول والمحكم» «٢» ويعني بذلك بالطبع أنه يؤول ليطابق المحكم وأدلة العقل- وسوف نشرح ذلك عند الكلام على التأويل- والذي يجدر تأكيده هنا هو: أن الحاكم لا يرى في وجود المتشابه في القرآن ما ينقض قاعدته في أن جميع القرآن معلوم المعنى، لأن المتشابه- بحسب حدّه المختار- مما يعلم معناه بحمله على المحكم- كما لا يرى فيه كذلك ما يخل بمسألة أن القرآن هدى وبيان بنفسه، وأنه يجب أن يتدبر ويعلم ولا يكتفي فيه بالتلاوة بحجة أن المتشابه ليس ببيان بل يحتاج إلى بيان كما زعم بعضهم، وذلك لأن البيان قد وقع بحمله على المحكم، وليس البيان في اللغة مقصورا على الظاهر، بل هو كذلك في المجاز.
وقد أوضح القاضي عبد الجبار من قبل أن الخطاب بالمتشابه يخالف خطاب العرب بالفارسية- في زعم من زعم- لأن هذا الخطاب ليس في العقل ما يعلم معه المراد فيكون عبثا، وليس كذلك حال المتشابه لأنه لا بدّ من أن يدل على المراد به إما العقل وإما المحكم، قال القاضي:

(١) من تفسيره لقوله تعالى: (رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) الآية ١١ سورة الطلاق ورقة ١٠٤/ و.
(٢) ورقة: ١٦١.


الصفحة التالية
Icon