بيان حال الفرقتين الكبيرتين: المعتزلة والأشاعرة، مع الإلمام بحال الصوفية في هذا القرن، لما لهذا من إيضاح بعض الجوانب الهامة في الحياة الاجتماعية، ولإلقاء بعض الضوء على حياة مؤلفنا المعتزلي رحمه الله، والحالة الدينية في هذا القرن- كما نرجح- تصورها الفرق، لأنه كان عصر تعصّب مذهبي واضح.
١ - المعتزلة
: كان البويهيون في بغداد قد أظهروا التشيع والاعتزال حتى قويت بهم الشيعة وفشا مذهب الاعتزال بالعراق وخراسان وماوراء النهر، وذهب إليه جماعة من مشاهير الفقهاء كما يقول المقريزي «١»، بل إن الاعتزال شهد على أيديهم نهضته الكبيرة على يد القاضي عبد الجبار والمدرسة الجبائية التي ينتسب إليها، وكان القاضي عبد الجبار أكبر قضاة بني بويه، وكان أشهر وزراء هذه الدولة وأعظمهم الصاحب بن عبّاد الذي حرّم القضاء والمناصب الكبرى على غير المعتزلة، وقد كان هو مشهورا بالاعتزال- والتشيع كذلك- حتى قال فيه القاضي: «مولانا الصاحب معتزلي الشعر، شيعي التصنيف»، وكان يذهب في تشيعه مذهب الزيدية كما يقول الحاكم نفسه رحمه الله «٢».
ولم يكن «الخليفة» - السني بالطبع- بقادر على أن يصنع شيئا تجاه «سلاطين» بني بويه وتعصبهم للشيعة والمعتزلة، ولكن اضطر في أوائل القرن الخامس سنة ٤٠٨ إلى أن يتدخل «رسميا» لفض المنازعات المذهبية التي أثارها المعتزلة والشيعة الذين صعّروا خدودهم ببغداد، فأمر
(٢) انظر شرح عيون المسائل للحاكم ١/ ورقة: ١٥٥.