المعتزلة في هذا العام بترك الكلام والتدريس والمناظرة في الاعتزال «والمقالات المخالفة للإسلام»! وأنذرهم- إن خالفوا أمره- بحلول النكال والعقوبة «١» إلا أنهم لم يكفوا عن الجدل فيما يبدو، فما زال فقهاء أهل السنة به حتى صدر في بغداد سنة «٤٣٣» كتاب آخر سمّى الاعتقاد القادري- نسبة إلى الخليفة القادر صاحب الأمر السابق- وقرئ في الدواوين، وكله نقض لآراء المعتزلة، «وكتب الفقهاء خطوطهم فيه أن هذا اعتقاد المسلمين، ومن خالفه فقد فسق وكفر!» «٢».
ولم يلبث المعتزلة أن تعرضوا للسب والتضييق بعد زوال بني بويه، ففي سنة ٤٥٦ «لعنت المعتزلة في جامع المنصور» وهجم قوم من الأشاعرة على مدرس معتزلي «فسبوه وشتموه لامتناعه عن الصلاة في الجامع، وتدريسه للناس بهذا المذهب، وأهانوه وجودوه» «٣»، بل بلغ الأمر ببعضهم أن جلس ليلعن المعتزلة، كما قال ابن كثير عن بعض العلماء إنه «جلس وجعل يلعن المعتزلة» «٤» وكأنّ ذلك ذكر أو قربة!!
ولكن الاضطهاد الذي أصاب المعتزلة لم يكن في الواقع على أيدي
(٢) الحضارة الاسلامية في القرن الرابع لآدم متز ١/ ٢٨٩ ترجمة الأستاذ الدكتور عبد الهادي أبو ريده.
(٣) البداية والنهاية ١٢/ ٩١.
(٤) المصدر السابق. وانظر فيه أحداث سنة ٤٧٨ (١٢/ ١٢٨ - ١٢٩).