٥) ومهما يكن من أمر فإن الحاكم لم يجعل من هذه الفقرة في كتابه ميدانا لعرض آرائه في الفقه، وإن كنا نرجح عدم التزامه الكامل بمذهب بعينه، كما نرجح أنه لم يخرج فيما ذهب إليه من آراء عن اجتهادات الفقهاء السابقين مع نزوع واضح إلى الاجتهاد.
وطريقة الحاكم هذه- على كل حال- يختلف الحكم عليها بين من يطلب الخلاف والاجتهاد في كتب التفسير، وبين من يرجو ألا تتضخم أوراق آيات تفسير الأحكام، التي تعتبر قليلة إذا قيست بجميع آي الكتاب، وأن يكون حظها في كتب «التفسير» كحظ سائر الآيات، ولعل طريقة الحاكم التي نأت بكتب التفسير عن منازعات الفقهاء- مع نجاحها في ربط خلاصة الآراء الفقهية بالنص القرآني- هي الأقرب إلى الصواب، لولا أنها تركت خلافات الفقهاء إلى جدل المتكلمين!
٦) وشاهد واحد يغني للدلالة في هذه الفقرة على كل ما ذكرناه:
قال في قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) «١» إن الكلام في أحكام هذه الآية من وجهين «أحدهما: دلالات الآية. والثاني ذكر الجمعة وشرائطها» ثم خص كل واحد منهما- كلّ ذلك تحت عنوان فقرته «الأحكام» - بفصل خاص.
ونحن نورد فيما يلي كل ما قاله في الفصل الأول، مع ذكر رءوس المسائل التي عرض لها في الفصل الثاني، للدلالة أيضا على ما قدمناه من تفريقه بين