وإن كان أكثر الحنابلة فيما يبدو تضيق صدورهم بمن عداهم من الشافعية والشيعة والأشاعرة والمعتزلة جميعا، ففي عام ٤٤٧ قوي جانبهم على الأشاعرة «بحيث إنه كان ليس لأحد من الأشاعرة أن يشهد الجمعة ولا الجماعات» «١» وحاولوا منع الشافعية من الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والترجيع في الأذان والقنوت، وكادت تحصل فتن كبيرة لولا أن حملوا على السكوت آخر الأمر. وفي عام ٤٦٩ وقعت الفتنة بينهم وبين الأشاعرة لأن ابن القشيري قدم بغداد فجلس يتكلم في النظامية وأخذ يذم الحنابلة وينسبهم إلى التجسيم «٢» بل بلغ الأمر بالحنابلة أن نقموا سنة ٤٦١ على أحد كبرائهم وهو الشيخ أبو الوفا العقيلي لتردده على أبي علي بن الوليد المعتزلي «٣» واتهموه بأنه تأثر ببعض آرائه في الكلام «وإنما كان يتردد عليه ليحيط علما بمذهبه»، كما قيل، حتى اضطر أن يحضر إلى الديوان ويكتب على نفسه كتابا يتضمن توبته من الاعتزال «٤».
رابعا: حركة التأليف في التفسير وعلم الكلام
ولم ينقطع العلماء خلال هذه الرزايا عن الكتابة والتأليف، شأنهم في كل عصر، بل إن حركة التأليف- بعامة- قد نشطت في النصف
(٢) المصدر السابق ص ١١٥.
(٣) قال ابن كثير في أحداث سنة ٤٧٨: «وفيها توفي أبو علي ابن الوليد شيخ المعتزلة، كان مدرسا لهم فأنكر أهل السنة عليه، فلزم بيته خمسين سنة إلى أن توفي!» البداية ١٢/ ١٢٩.
(٤) انظر ابن كثير ١٢/ ٩٨، ١٠٥.