أو مغالاته في الاعتزال وحب أهل البيت الذي أودعه في رسالته عن الجبرية، والواقع أن الاعتزال وحب أهل البيت مهما اشتط فيهما المرء ما عرفا سببا لانتقام فردي أو خاص وإن أثارا من الفتن العامة ما أثارا. ثم إن ما قاله الحاكم في العدل والتوحيد وحب أهل البيت قاله في سائر كتبه المطولة فلا معنى للحديث عنهما في هذه الرسالة، أو تخصيصها بهما وجعلها إطارا لموضوعاته العامة الأخرى، بل إن الذي يدل عليه عنوان الرسالة- التي سميت أيضا برسالة إبليس إلى المجبرة- هو أنه جعلها إطارا لموضوع رئيسي خاص على خلاف قول ابن حميد- هو الرد على الجبرية في مسألة خلق الأفعال أولا، وما يتبع ذلك- أو يتقدمه- من أن صحة التكليف مرهونة بالاختيار، وأن الحساب والعقاب منوطان به أيضا... إلى ما هنالك من هذه الأمور، وهذا لا يمنع أنه كان يصدر في هذه الردود والمناقشات عن مذهبه في العدل والتوحيد الذي بثه في كل كتبه، بل هو الباعث له على التأليف في الحقيقة، ولكنه لم يكن الباعث على قتله أو السبب المباشر له، ومن هنا كانت عبارة أبي الرجال الصنعاني أدق وان يكن قد أضاف الى المجبرة أخواله أيضا، وجعل الباعث للجميع على قتله الرسالة المذكورة، وهذا يدل على أن أخواله كانوا من المجبرة أو من المنتصرين لهم، وان مما يبعد أن يقدموا على قتله لحبه أهل البيت وهم يمتون اليهم بسبب!
ويتردد الباحث في قبول مثل هذا السبب للإقدام على قتل شيخ جاوز الثمانين مهما قيل في مغالاته في عداء الجبرية أو لدده في خصومته التي لا ننكر ظهورها في كتبه مع أعدائه ومخالفيه، وبخاصة الجبرية «١» وقد

(١) يورد في الصفحات الأولى من تفسيره شرحه لقوله تعالى (ختم الله-


الصفحة التالية
Icon