تفسير قوله تعالى: (خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: يقول الله تعالى: ﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ﴾ [القلم: ٤٣] أي: ذليلة، منكسرة، ﴿تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ [القلم: ٤٣] أي: على وجوههم قترة وسواد،: ﴿وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ﴾ [القلم: ٤٣] أي: إلى الصلاة،: ﴿وَهُمْ سَالِمُونَ﴾ [القلم: ٤٣] أي: ليس هناك عارض يحول بينهم وبين الصلاة.
ولننتبه فالقرآن أحياناً يعبر عن الصلاة بأحد أركانها بالركوع، أو السجود، أو القيام، ولذلك قال بعض العلماء: صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في المسجد، والدليل من القرآن قول الله لمريم: ﴿يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [آل عمران: ٤٣]، فحينما أمرها بالصلاة بمفردها قال لها: (اسْجُدِي)، وحينما أمرها بالصلاة مع المصلين قال لها: (وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ)، أيهما أفضل في الصلاة السجود أم الركوع؟ السجود، فعبر عن صلاتها بأعظم أركان الصلاة، فعلم من الآية أن صلاتها في بيتها أفضل، ولذلك بين عليه الصلاة والسلام أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في مسجده، مع قوله: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله).
وقال تعالى: ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ﴾ [القلم: ٤٤]، أي: دعني ومن يطعن في مشروعية الحجاب، دعني ومن يطعن في عذاب القبر، دعني وهؤلاء الذين يقدحون في أصول الدين الثابتة، الذين يكذبون بالقرآن، ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ﴾ [القلم: ٤٤]، وقد يكون الاستدراج بالمال، أو العقارات، أو السيارات، أو بالمناصب، أو بأن تنفتح عليهم الدنيا، فيظنون أن ذلك من قبيل النعمة، وإنما هو استدراج، قال سبحانه: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود: ١٠٢]، فالإمهال والاستدراج للعاصي أن يعطى مع بقائه على المعصية، فيعصي ويفتح عليه، يعصي ويرتقي، فيظن أن ذلك من رضا الله عليه، وإنما هو استدراج، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته)، فيا أصحاب المعاصي احذروا، فإن الله يستدرجكم.
وقوله تعالى: ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ [القلم: ٤٥] أي: أمهلهم إن مكري بهم عظيم، ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا﴾ [القلم: ٤٦] والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم: هل تسألهم على دعوتك أجراً؟ لذلك كلما كان الداعي لا يأخذ أجراً على دعوته كان أسرع للإجابة، قال تعالى: ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: ١٠٩].