تفسير قوله تعالى: (الحاقة)
سورة الحاقة هي سورة مكية، ومعنى قولنا: مكية، أي: أنها نزلت على النبي ﷺ قبل الهجرة، فمعيار الزمان هو الضابط في المكي والمدني، وهو أولى المعايير عند كثير من العلماء، فما نزل قبل الهجرة فمكي، وما نزل بعد الهجرة فمدني وإن نزل في مكة، لأنه لا عبرة بالمكان وإنما العبرة بالزمان.
وسورة الحاقة من السور المهمة التي ينبغي أن نقف عندها طويلاً لنستخلص منها الدروس والعبر، يقول ربنا سبحانه: ﴿الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ﴾ [الحاقة: ١ - ٣] (الحاقة) اسم من أسماء يوم القيامة، والشيء كلما عظم تعددت أسماؤه، وقد جمع القرطبي وابن حجر وابن كثير أسماء القيامة من القرآن والسنة، وكل اسم له علاقة بالمسمى، لذلك فأنت مأمور بأن تختار لابنك الاسم الحسن؛ لأن هناك علاقة بين الاسم والمسمى، فإن سميته كريماً فربما يكون كريماً، لكن البعض يصر على أن يخرج عن هذا النطاق ويسمون أبناءهم أسماء لا تنبغي، إما محرمة، وإما مكروهة، وإما لا تنبغي أن تكون أبداً للمسلمين، مثل: عبد النبي، وعبد الرسول؛ لأن العبودية لا تكون إلا لله تعالى، وكذلك أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، والآخر قد يسمي ابنه اسماً أجنبياً من أسماء المشركين والكفار، مثل: رونالدو! فخابت الأسماء حين تسمى بهذه الأسماء، فيا عبد الله! اتق الله في نفسك.
والبعض أحياناً قد يخرج عن الشرع إلى تسمية يحاكي فيها أهل الكتاب؛ لذلك جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه فقال له: ما اسمك؟ قال: شهاب، قال: من أي البلاد يا شهاب؟ قال: من ذات لظى، قال: من أي القبائل؟ قال: من جمرة، فكل الإجابات لها علاقة بالنار، فقال عمر: اذهب فقد احترق بيتك.
وبالفعل وجده قد احترق، لأن هناك علاقة بين الاسم والمسمى، فلابد أن تكون الأسماء حسنة، والنبي ﷺ قد غير أسماء لبعض الناس، وهناك فتوى مهمة للجنة الدائمة، مفادها: إذا أسلم الرجل من أهل الكتاب يغير اسمه ولا يغير اسم أبيه، قال تعالى: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: ٥]، يعني: إن كان اسمه: (نتنياهو) ثم أسلم نغير هذا الاسم الخبيث ثم ننسبه إلى أبيه، ولا ينبغي أن ننسبه إلى غير أبيه، وفي الحديث: (أن امرأة جاءت إلى النبي ﷺ فسألها عن اسمها، فقالت: عاصية، فغير اسمها النبي عليه الصلاة والسلام).
وكذلك غير النبي ﷺ اسم جد سعيد بن المسيب من حزن إلى سهل، لأن اسمه يشعر بالحزن، لكن الرجل رفض وقال: لا أغير اسماً سمانيه أبي! يقول سعيد: فلا تزال الحزونة فينا.
أي: امتدت الحزون في كل العائلة؛ لأنه أبى أن يغير اسماً سماه له النبي عليه الصلاة والسلام.
وعلى كل فالحاقة اسم من أسماء يوم القيامة؛ وسميت بذلك لأن الوعد والوعيد يحقان فيها، فما وعدنا الله من جنة وما توعدنا به من نار يكون عين اليقين، فهي حق الوقوع وحق ما فيها، ثم قال الله سبحانه معظماً شأنها: ﴿مَا الْحَاقَّةُ﴾ [الحاقة: ٢]، تعظيماً لأمرها، ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ﴾ [الحاقة: ٣]، يقول ابن عباس: إن قال الله: (ما أدراك) سيدريك، وإن قال: (ما يدريك) استأثر الله بعلمه، فالأول يأتي الجواب بعدها حالاً، مثل: ﴿الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ﴾ [القارعة: ١ - ٣]، ثم كان
﴿ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ﴾ [القارعة: ٤]، وهنا قال تعالى: ﴿الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ﴾ [الحاقة: ١ - ٣]، ثم كان الجواب: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ﴾ [الحاقة: ٤]، وأما الثاني الذي استأثر الله بعلمه، فمثل قوله تعالى: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا﴾ [الأحزاب: ٦٣]، أي: لا أحد يعلم متى الساعة.


الصفحة التالية
Icon