تفسير قوله تعالى: (كذبت ثمود وعاد بالقارعة)
يقول الله عز وجل: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ﴾ [الحاقة: ٤]، وثمود هم قوم صالح، وعاد هم قوم هود، ويا ليت القوم يتعظون ويعتبرون! فالله سبحانه وتعالى يقص علينا في القرآن قصص السابقين؛ لنعتبر، وحتى لا يأخذنا بعذاب بسبب فعل العصاة، وثمود جاءهم نبيهم صالح فطلبوا منه معجزة، بل وحددوا له المعجزة.
والمعجزة: هي أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي، يؤيد الله بذلك أنبياءه ورسله؛ ويدلل بذلك على صدق دعواهم.
وأما أدعياء النبوة فإنهم دائماً يضحكون على الناس، وقد قلنا قبل ذلك: إن المأمون جاء إليه رجل يدعي النبوة! فقال له: وما علامة نبوتك؟ فقال: علامة نبوتي أني أعلم ما في أنفسكم! قال: فما في أنفسنا، قال: في أنفسكم أنكم تقولون عني: إني كذاب.
وآخر يقول للمعتصم: بأنه موسى بن عمران! فقال له المعتصم: يا موسى ألق عصاك حتى تصبح ثعباناً، فقال له الرجل: قبل أن أفعل أنا ذلك، قل أنت أولاً: أنا ربكم الأعلى، فضحك الخليفة منه وعلم أنه متهم في عقله.
ولذلك كثرت القضايا المطروحة الآن في أدعياء النبوة، وبلا فخر في مصرنا يظهر كل سنة أو سنتين نبي، ويكون له أتباع وأصحاب من نساء ورجال.
جيء بامرأة في عهد الخلافة العباسية فقال لها الخليفة: من أنتِ؟ قالت: أنا نبية! قال: أما علمت أن النبي ﷺ قال: (لا نبي بعدي)، فقالت: نعم، لكنه لم يقل: لا نبية بعدي، فأنا نبية ولست بنبي! فهذا يدل على حماقة الفكر وسطحية الرأي؛ ولذا فأقول للمسئولين في الدولة: من ادعى النبوة قبل أن تدفعوا به إلى النيابة أو المحكمة ادفعوا به إلى مستشفى الأمراض العقلية؛ لأنه حتماً ويقيناً عنده خلل في عقله.
إذاً: الأنبياء يؤيدهم الله بمعجزات لتدل على صدقهم، كما أنه ما من نبي يرسله الله عز وجل إلا كان من جنس قومه، وهذا إشارة إلى أن الداعي كلما كان على صلة بالمدعو تكون الإجابة أسرع؛ لأنه يعرفه، قال تعالى: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾ [الأعراف: ٧٣]، أي: من جنسهم، يعرفون نسبه وصدقه وأمانته؛ فتكون الإجابة أسرع.
وعندما سأل صالح ربه أن يستجيب له فيما يطلبون أخرج الله لهم ناقة تحمل في بطنها، وخرجت هذه الناقة من جبل أصم بإذن رب العالمين، وقال الله لهم: ﴿هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ﴾ [الأعراف: ٧٣].
وقال: ﴿لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ [الشعراء: ١٥٥]، أي: تشربون يوماً وتشرب يوماً.
ويقول ربنا سبحانه وتعالى: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا﴾ [الشمس: ١١ - ١٢]، أي: أحيمر ثمود، الذي هو من أشقى الناس، واسمه: قدار بن سالف، وما قتلها وما عقرها إلا بعد أن أخذ الرأي العام من النساء والأطفال والرجال، فكان الجزاء عاماً، لأن الله يقول: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣٠]، فالقائل واحد، لكنه قال وهم صدقوا ما قال ووافقوا، فنسب القول إليهم جميعاً، لذلك حينما نقر بالمعاصي حين يرتكبها أفراد نكون معهم سواء في الجزاء، قال تعالى: ﴿فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ﴾ [الأعراف: ٧٧]، أرسل الله عليهم صيحة فجعلتهم كهشيم المحتظر، وأنت إن كنت من أهل الأرياف تعرف هذا النبات بعد أن ييبس، يكون كهشيم المحتظر إذا أرسل الله عليه الريح فتذروه.


الصفحة التالية
Icon