تفسير قوله تعالى: (إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية)
قال تعالى: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ﴾ [الحاقة: ١١]، يمتن الله سبحانه على عباده بما كان في زمن نوح؛ لأن كل العباد على الأرض نسبهم يعود إلى نوح وإبراهيم عليهما السلام، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾ [الحديد: ٢٦].
قوله: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى﴾ [الحاقة: ١١]، يعني: تجاوز الحد.
وذلك عندما دعا نوح على قومه: ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾ [القمر: ١٠]، دعاء صغيراً ومختصراً، وهذا هو الهدي في الدعاء، فإذا سألت الله فأجمل في الطلب: (اتقوا الله وأجملوا في الطلب)، لذلك كان الغلام صاحب الأخدود كما في حديث مسلم فقيهاً، فيوم أن ركب السفينة مع الطغاة وأراد أن يدعو عليهم قال: اللهم اكفنيهم بما شئت وكيف شئت، إنك على كل شيء قدير! أما نحن فنمط في الدعاء مطاً، لأجل الطرب وإرضاء الجماهير، ونأتي بالسجع والتكرار، وهذا كله ليس من السنة أبداً، يعني: لو أن واحداً منا كان في السفينة لقال: اللهم اقلبها، ودمرها، ومزقها، وحطمها، وأغرقها، وكلها ألفاظ مترادفة، ولربما قال المسلم: اللهم أدخلني الجنة، واسقني من خمرها، واكسني من ثيابها، وزوجني بالحور العين فيها! وهذا أمر عجيب؛ لأنك إن دخلت الجنة فستلبس وستشرب، فلماذا هذا السجع؟! وكذلك قول بعضهم: اللهم استرنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض، واقض عنا القرض، واحم لنا الأرض، وكله أض أض!! فلماذا هذا السجع؟! لإرضاء الجماهير الغفيرة، نسأل الله العافية.
وانظروا إلى ابن مسعود وهو يدعو: اللهم إني أسألك من كل خير سألك منه عبدك ونبيك محمد، وأعوذ بك من كل شر استعاذ منه عبدك ونبيك محمد إجمال.
وكل خير في اتباع من سلف، ولا داعي لهذا الإطناب الشديد، والساعات الطويلة في القنوت؛ لأن ذلك ليس من هدي السلف أبداً، وحالنا اليوم في الدعاء مخالف لما عليه السنة النبوية، فقد يدعو أحدنا قائلاً: اللهم دمر اليهود، خرب بيوتهم، جمد الدم في عروقهم، زلزل الأرض من تحت أقدامهم.
وكأنك تحدد لربك ماذا يصنع؟! وكان يكفي أن يقول: اللهم دمرهم.
فيدمرهم بما شاء وكيف شاء.
وهذه كلها من الأمور المحدثة والبدعية، وكما يحدث في بعض البلاد بعد الركعتين الأوليين في التراويح من قول: الصلاة والسلام عليك يا أول خلق الله.
أي: سنبدأ.
وفي آخر ركعتين: الصلاة والسلام عليك يا خاتم رسل الله، أي: سنختم، فإذا جاءت ركعتي الوتر والقنوت يقولون: سبحان الحي الذي لا يموت.
فانظروا إلى هذا التأليف والابتداع في دين رب العالمين، ثم من قال لك: إن النبي ﷺ هو أول الخلق، وبأي دليل؟ أول خلق الله هو آدم أبو البشر خلقه الله من غير أب ولا أم، ونبينا له أب وله أم، فكيف يكون أول الخلق؟! أقسم لكم بالله أنهم يهرفون بما لا يعرفون! ونظرية أول الخلق هذه تعود إلى فكر ابن عربي؛ لأنه لم يميز بين الوجود العيني والوجود العلمي، وفرق كبير بين أن يوجد الشيء عيناً وبين أن يوجد في العلم، لذلك ابن عربي يقول: إن المعدوم شيء.
أي: نحن لنا صورة هنا، وصورة كانت في الأزل مخلوقة قبل أن يوجدنا الله على الأرض.
ونظرية الحلول والاتحاد في فكر ابن عربي الذي الآن يثنى عليه، وأفكاره في كتبه تحمل كفراً لا شبهة فيه، فحينما يقول ابن عربي مثلاً في أحد كتبه: إن أهل النار إذا دخلوها يتلذذون بعذابها!! وحينما يقول الحلاج: مثل الذين يطوفون ببيت الله في الحج كمثل البهائم تدور في رحاها.
أليس هذا كفراً؟ هذا كفر واضح وبين، لكن القوم يقولون لنا: أنتم لم تفهموا، فهم يتحدثون بالرموز، وكل كلمة لها رمز، وأنتم عقولكم لا تدرك ذلك، وحينما يقول: ما في الجبة إلا الله.
أي: أنا الله والله أنا تعالى الله عما يقولون.
وحينما يقول أبو يزيد البسطامي: ضربت خيمتي بإزاء عرش الرحمن جل وعلا.
ما هذا يا قوم؟ أقول: رب العزة تبارك وتعالى تعبدنا بشرعه، ومن استحسن فقد شرع، واتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم.
قال تعالى: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ﴾ [الحاقة: ١١]، يمتن الله على عبادة بأنه أنجى المؤمنين مع نوح في السفينة، وذلك لما طغى الماء على وجه الأرض، وحينما دعا نوح: ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾ [القمر: ١٠]، دعاء مجملاً قال: (مغلوب فانتصر) ولم يحدد، ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ [القمر: ١١ - ١٤]، أي: أن السفينة تجري بأمر الله س