تفسير قوله تعالى: (فهو في عيشة راضية)
قال تعالى: ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٢١]، أي: في عيشة مرضية، ﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٢٢]، جاء في الحديث (إن في الجنة مائة درجة، المسافة بين كل درجة ودرجة كما بين السماء والأرض)، جنة تشتاق إليها النفوس، وهكذا كان أمنية السلف الجنة، وما حديث المرأة السوداء في البخاري إلا دليل على ذلك: (يا رسول الله إني أصرع وأتكشف)، فهي سوداء، فماذا يحدث لو تكشفت السوداء؟ يعني: أنها غير جميلة، لكن الحرة تحفظ عورتها وتخاف على عرضها، ومع ذلك فهذه المرأة السوداء مرفوع عنها القلم؛ لأنها في حالة غياب عن الوعي، (قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أأدعو الله لك أم تصبري ولك الجنة؟ فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: يا رسول الله أصبر على المرض، لكني لا أرضى أن أتكشف)، فاختارت أن تصبر طالما أن المقابل هو الجنة، فيا ليت أن هذا الحديث تسمع به السافرات والهابطات والمتبرجات اللائي يخرجن في نهار رمضان وفي غير رمضان، فتنة لأنفسهن وللشباب المسلمين، (فدعا النبي لها ألا تتكشف)، فأصبحت المرأة تصرع في الطرق ولا تتكشف ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الصحابة يقولون لبعضهم البعض: من أراد أن ينظر إلى امرأة من أهل الجنة فلينظر إلى هذه المرأة.
ويقول النبي ﷺ واصفاً طريق الجنة: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)، أي: أن طريق الجنة ليس طريقاً ميسوراً، فهو طريق قيام الليل، وطريق عدم الغيبة والنميمة، وطريق دفع الشهوات والشبهات، وطريق الالتزام، وطريق البلاء، وطريق الصبر على الأذى، ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ﴾ [المطففين: ٢٩ - ٣٠]، ولقد أعدوا مسلسلاً لـ قاسم أمين حتى يمسحوا عقول الشباب، قاسم أمين محرر المرأة من الحجاب والطهارة إلى الوضاعة والخلاعة، وأرادوا منا أن نفتخر بحياته، لكن نحن نحتاج إلى أن يفهم الشباب هذا الرجل، فيا قوم اعرضوه بأمانة، حتى يتبين حاله، لكن من يسمع؟ ومن يرى؟ بل حتى صوروا أي ملتزم على أنه إرهابي، حتى زرعوا في قلوب الأطفال الصغار في قرانا وغيرها كره الرجل الملتحي ولابس الثوب والمحافظ على السنة، فإذا رآه الطفل يجري سريعاً؛ لأنهم قالوا له: إنه إرهابي! فيقول الطفل: لا أريده! فمن الذي صنع هذا الفكر؟ ومن الذي جعل في عقول الأطفال هذا الفكر؟ هم المسئولون عن ذلك: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ﴾ [المطففين: ٢٩ - ٣١].
قال تعالى: ﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ﴾ [الحاقة: ٢٣]، أي: ثمارها قريبة، وقد جاء في بعض الآثار أنه على سريره والفاكهة فوق رأسه، كلما اشتهى أكل؛ لأن أهل الجنة لا يتبولون، ولا يتغوطون: (فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).
قال تعالى: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾ [الحاقة: ٢٤]، أي: بما قدمتم لهذا اليوم.


الصفحة التالية
Icon