تفسير قوله تعالى: (وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً)
يقول الله تعالى: ﴿وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ [الجن: ١٠].
فالجن يعلموننا الأدب، فهم يقولون: ﴿وَأَنَّا لا نَدْرِي﴾ [الجن: ١٠]، وكذلك الملائكة قالت: ﴿لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا﴾ [البقرة: ٣٢] فهم يكلون العلم إلى الله، ثم في قولهم: ﴿أَشَرٌّ أُرِيدَ﴾ [الجن: ١٠] الفعل مبني للمجهول ولم يسم فاعله، فالذي أراد بمن في الأرض شراً هو الله، لكن من الأدب ألا ينسب الشر إلى الله: (والشر ليس إليه)، وهذا من باب التأدب، وفي القرآن مثل ذلك كثير، يقول إبراهيم عليه السلام: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ [الشعراء: ٨٠]، نسب المرض إلى نفسه، وفي قصة الخضر مع موسى: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا﴾ [الكهف: ٧٩]، فنسب العيب إلى نفسه، رغم أن الذي أمره بخرق السفينة هو الله، فلم يقل: فأراد الله أن يعيبها؛ لأنه لا ينبغي أن ينسب الشر أو العيب إلى الله عز وجل، مع إيماننا الجازم أن الخير والشر من الله، وهذا من باب الأدب في زمن ضاع فيه الأدب، يقول محمد بن سيرين: علم بلا أدب كالنار بلا حطب.