تفسير قوله تعالى: (ولا أقسم بالنفس اللوامة)
قال عز وجل: ﴿وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ [القيامة: ٢]، والنفس اللوامة الراجح من أقوال المفسرين فيها: أنها النفس التي تلوم صاحبها، تلومه على ضياع أوقاته دون أن يعمرها بطاعة الله أو بذكر الله، فالنفس واحدة وصفاتها متعددة، يقول شيخ الإسلام: النفس واحدة ولها صفات متعددة، فقد تكون نفساً لوامة، وقد تكون نفساً مطمئنة، وقد تكون نفساً أمارة بالسوء.
ولا فرق بين النفس والروح عند السلف؛ لأن الله قال: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي﴾ [الفجر: ٢٧ - ٢٩]، فالنفس هنا هي الروح، ولذلك ربنا يقول: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ [الشمس: ٧ - ١٠].
وكيف نزكي النفس؟ نزكيها بالطاعات التي وردت عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وتزكية النفوس عند السلف وعند أهل البدع موضوع طويل، فمن أهل البدع من يزكي نفسه بالرقص، والطبل، والتمايل يميناً ويساراً، وبإحياء البدع، وللعلامة ابن حجر كتاب: (تبيين العجب بما ورد في شهر رجب) وذكر أنه لم يثبت في فضله حديث صحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام، وقد كانت الجاهلية تعظم رجباً، والآن عندنا أناس ينسبون إلى أهل العلم ظلماً لا يتقون الله عز وجل، يقول أحدهم: ولقد جاء في شهر رجب الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله! فنقول: يا رجل! من صحح هذه الأحاديث؟ وتجد مثل هذا في وسائل الإعلام المرئية، والمسموعة، والمقروءة وغيرها، حتى إن بعضهم عند رؤية هلال رمضان يذكر الأمة بحديث موضوع: (رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي)، وهذا حديث موضوع مكذوب، فنقول له: كيف تنسب إلى رسول الله ما لم يقل؟ وسأقرأ كلام العلامة ابن حجر في كتابه الذي بين يدي: (تبيين العجب فيما ورد في شهر رجب)، بل إن البعض في ليلة السابع والعشرين يقيمون السرادقات؛ لإحياء ليلة الإسراء والمعراج، وهذه بدعة محدثة.
وأقسم بالله! إن أضعف الأقوال هي في رجب، وما قال بها أحد من أهل العلم المعتبرين، إنما الراجح أنه كان في ربيع الأول، يقول شيخ الإسلام في ذلك: إن ليلة الإسراء والمعراج ليس لها خصوصية، ولم يقم دليل على أن السلف كانوا يحتفلون بها، ولا بقيام ليلها، ولا بصيام نهارها، فلماذا تلبسون على الناس؟ ولماذا تبتدعون؟ أما تخافون أن تكونوا جسوراً يعبر على أجسادكم إلى نار جهنم؟ أما تتقون ربكم؟ فهؤلاء دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، باعوا دينهم بدنيا غيرهم، وهم يعلمون الصواب، فهؤلاء لا يقرءون ماذا قال حفاظ الأمة؟ أما يقرأ طالب العلم في الرحيق المختوم: واختلف العلماء في الإسراء والمعراج إلى ثمانية أقوال أضعفها أنه في رجب، ومنهم من قال: كذا، ومنهم من قال: كذا؟ وخديجة رضي الله عنها صلت مع رسول الله ﷺ بعد فرض الصلاة، فموت خديجة كان بعد الإسراء والمعراج، وهذا هو التحقيق التاريخي، وموت خديجة كان قبل الهجرة.
إذاً: الإسراء والمعراج كان قبل موت خديجة وقبل الهجرة، وبالتحقيق عند العلماء تبين أنه في شهر ربيع الأول، وما قال أحد: إنه في رجب، إلا أقوال ضعيفة شاذة، ولكن هناك من يصرون على هذا، ويقحمون الأمة في البدع والأهواء، ويلبسون على العامة، نسأل الله العافية.
فربنا أقسم بالنفس اللوامة التي تلوم صاحبها بعد كل فعل، فالنفس: إما مطمئنة، أو أمارة بالسوء، أو لوامة.