الأكثر.
﴿وسبعة﴾ من الأيام ﴿إذا رجعتم﴾ إلى وطنكم مكة أو غيرها، وقيل: إذا فرغتم من أعمال الحج وفيه النفقات عن الغيبة، وفائدة قوله تعالى: ﴿تلك عشرة﴾ أن لا يتوهم أنّ الواو بمعنى أو كقولك جالس الحسن وابن سيرين، ألا ترى أنه لو جالسهما جميعاً أو واحداً منهما كان ممتثلاً، وأن يعلم العدد جملة كما علم تفصيلاً؛ ليحاط به من جهتين، فيتأكد العلم، فإن أكثر العرب لم يحسنوا الحساب. وفي أمثال العرب: علمان خير من علم، وأنّ المراد بالسبعة العدد دون الكثرة فإنه يطلق لهما، وقوله تعالى: ﴿كاملة﴾ صفة مؤكدة تفيد المبالغة في محافظة العدد بأن لا يتهاون بها، ولا ينقص من عددها كما تقول للرجل ـ إذا كان لك اهتمام بأمر تأمره به وكان منك بمنزلة ـ الله الله لا تقصر. أو مبينة كمال العشرة فإنه أوّل عدد كامل إذ به تنتهي الآحاد وتتم مراتبها وقيل: كاملة في وقوعها بدلاً من الهدي، بحيث لا يقصر ثواب الصوم عن ثواب الهدي.
﴿ذلك﴾ أي: الحكم المذكور من وجوب الهدي أو الصيام على من تمتع ﴿لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام﴾ وهم من مساكنهم دون مرحلتين من الحرم لقربهم منه والقريب من الشيء يقال: إنه حاضره قال تعالى: ﴿واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر﴾ (الأعراف، ١٦٣) أي: قريبة منه، وفي ذكر الأهل إشعار باشتراط الاستيطان فلو أقام قبل أشهر الحج ولم يستوطن وتمتع فعليه ذلك، وهو أصح قولي الشافعيّ والثاني لا، والأهل كناية عن النفس وألحق بالمتمتع فيما ذكر بالسنة القارن: وهو من يحرم بالعمرة والحج معاً أو يدخل الحج عليها قبل الطواف.
﴿واتقوا﴾ بالمحافظة على أوامره ونواهيه وخصوصاً في الحج ﴿واعلموا أنّ الله شديد العقاب﴾ لمن خالفه ليكون عملكم بشديد عقابه لطفاً لكم في التقوى.
﴿الحج أشهر﴾ أي: وقته كقولك البرد شهران ﴿معلومات﴾ وهي شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة إلى طلوع الفجر من يوم النحر عندنا، والعشر كله عند أبي حنيفة وذو الحجة كله عند مالك، وعلى الأوّلين إنما سمي شهرين وبعض شهر أشهراً إقامة للبعض مقام الكلّ، وإطلاقاً للجمع على ما فوق الواحد كما في قوله تعالى: ﴿فقد صغت قلوبكما﴾ (التحريم، ٤) لحفصة وعائشة.
﴿فمن فرض﴾ على نفسه ﴿فيهنّ الحج﴾ بالإحرام به عندنا أو بالتلبية أو بسوق الهدي عند أبي حنيفة، وفيه دليل على أنّ من أحرم بالحج في غير أشهر الحج لا ينعقد إحرامه بالحج، وهو قول ابن عباس وجماعة من الصحابة، وإليه ذهب الأوزاعي والشافعيّ، وقال: ينعقد إحرامه عمرة؛ لأنّ الله تعالى خص هذه الأشهر بفرض الحج فيها، فلو انعقد في غيرها لم يكن لهذا التخصيص فائدة، كما أنه تعالى علق الصلاة بالمواقيت، ثم من أحرم بفرض الصلاة قبل دخول وقته لم ينعقد إحرامه عن الفرض، وإنما انعقد عمرة لأنّ الإحرام شديد التعلق، وذهب جماعة إلى أنه ينعقد إحرامه بالحج وهو قول مالك والثوري وأبي حنيفة، أما العمرة فجميع السنة وقت لها إلا أن يكون عليه بقية من أعمال الحج كالرمي.
﴿فلا رفث﴾ أي: جماع فيه كما قال ابن عباس وجماعة من الصحابة، وقيل: الرفث غشيان النساء والقبلة والغمز وأن يعرض لها بالفحش من الكلام، وقيل: هو الفحش والقول القبيح.
﴿ولا فسوق﴾ أي: ولا خروج عن حدود الشرع بالسيئات وارتكاب المحظورات وقيل: هو السباب والتنابز بالألقاب ﴿ولا جدال﴾ أي: خصام مع الخدم
بالإنكار لما يتحقق من كرم أخيهم أكدوه بقولهم ﴿وإنا﴾، أي: والله إنا ﴿لصادقون﴾ في أقوالنا، ولما رجعوا إلى أبيهم وقالوا له ما قال كبيرهم، فكأنه قيل: فما قال لهم؟ فقيل:
﴿س١٢ش٨٣/ش٨٧ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا؟ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ؟ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعًا؟ إِنَّهُ؟ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا؟أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُوا؟ تَاللَّهِ تَفْتَؤُا؟ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ * قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُوا؟ بَثِّى وَحُزْنِى؟ إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا تَعْلَمُونَ * يَابَنِىَّ اذْهَبُوا؟ فَتَحَسَّسُوا؟ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَتَا؟يـ؟َسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ؟ إِنَّهُ؟ يَا؟يْـ؟َسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِs الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾
﴿قال﴾ لهم ﴿بل سوّلت﴾، أي: زينت تزييناً فيه غي ﴿لكم أنفسكم أمراً﴾، أي: حدّثتكم بأمر ففعلتموه، وإلا فما أدرى الملك أن السارق يؤخذ بسرقته ﴿فصبر جميل﴾، أي: فأمري صبر جميل، أو فصبر جميل صبري، أو أجمل، وقدم مثل ذلك في واقعة يوسف إلا أنه قال فيها: ﴿والله المستعان على ما تصفون﴾ (يوسف، ١٨) وقال هنا ﴿عسى الله أن يأتيني بهم﴾، أي: بيوسف وشقيقه بنيامين والأخ الثالث الذي أقام بمصر ﴿جميعاً﴾، أي: فلا يتخلف منهم أحد، وإنما قال يعقوب عليه السلام هذه المقالة؛ لأنه لما طال حزنه واشتدّ بلاؤه ومحنته علم أن الله تعالى سيجعل له فرجاً ومخرجاً عن قريب، فقال ذلك على سبيل حسن الظن بالله تعالى وتفرس أن هذه الأفعال نشأت عن يوسف عليه السلام، وأن الأمر يرجع إلى سلامة واجتماع، ثم علل هذا بقوله: ﴿إنه هو العليم﴾، أي: البليغ العلم بما خفي عنا من ذلك فيعلم أسبابه الموصلة إلى المقاصد ﴿الحكيم﴾، أي: البليغ فيما يدبره ويقضيه.
﴿و﴾ لما ضاق قلب يعقوب عليه السلام بسبب الكلام الذي سمعه من أبنائه في حق بنيامين ﴿تولى عنهم﴾، أي: انصرف بوجهه عنهم لما توالى عنده من الحزن ﴿وقال يا أسفا﴾، أي: يا أسفي ﴿على يوسف﴾، أي: تعال هذا أوانك، والأسف اشدّ الحزن والحسرة، والألف بدل من ياء المتكلم، وإنما تأسف على يوسف دون أخويه، والحادث إنما هو مصيبتهما؛ لأن مصيبته كانت قاعدة المصائب، والحزن القديم إذا صادفه حزن آخر كان ذلك أوجع للقلب وأعظم لهيجان الحزن الأوّل، كما قال متمم بن نويرة لما رأى قبراً جديداً جدّد حزنه على أخيه مالك:

*فقالوا أتبكي كل قبر رأيته لقبر ثوى بين اللوى والدكادك؟
*فقلت نعم إنّ الأسى يبعث الأسى فدعني فهذا كله قبر مالك
ولأنه كان واثقاً بحياتهما دون حياته، وفي حديث رواه الطبراني «لم تعط أمة من الأمم إنا لله وإنا إليه راجعون عند المصيبة إلا أمّة محمد ﷺ ألا ترى إلى يعقوب حين أصابه ما أصابه لم يسترجع، وقال ﴿يا أسفا﴾ ﴿وابيضت عيناه﴾، أي: انمحق سوادهما وبدل بياضاً ﴿من الحزن﴾، أي: من كثرة البكاء عليه، وقيل: عند غلبة البكاء يكثر الماء في العين فتصير العين كأنها ابيضت من بياض ذلك الماء، وقيل: ضعف بصره حتى صار يدرك إدراكاً لطيفاً، وقيل: عمي، وقال مقاتل: لم يبصر بهما ست سنين حتى كشفه الله تعالى بقميص يوسف عليه السلام. قيل: إن جبريل عليه السلام دخل على يوسف في السجن، فقال: إنّ بصر أبيك ذهب من الحزن عليك، فوضع يده على رأسه وقال: ليت أمي لم تلدني، ولم أكن حزناً على أبي.
فإن قيل: هذا إظهار للجزع وجار مجرى الشكاية وهو لا يليق بمثل يعقوب عليه السلام أجيب: بأنه لم يذكر إلا هذه الكلمة، ثم عظم بكاؤه، ثم أمسك لسانه عن النياحة، وذكر ما لا ينبغي، ولم يظهر الشكاية مع أحد من الخلق ويدل لذلك قوله: ﴿فهو كظيم﴾، أي: مغموم مكروب لا يظهر كربه وقوله: ﴿إنما أشكو بثي وحزني إلى الله﴾ فكل ذلك يدل على أنه لما عظمت مصيبته وقويت محنته صبر وتجرع الغصة وما أظهر
معلوم فنكره لعدم حصول العلم به ﴿واعبدوه﴾ أي: عبادة يقبلها وهي ما كانت خالصة من الشرك ﴿واشكروا﴾ أي: أوقعوا الشكر ﴿له﴾ خاصة على ما أفاض عليكم من النعم، ثم علل ذلك بقوله تعالى: ﴿إليه﴾ وحده ﴿ترجعون﴾ أي: معنى في الدنيا والآخرة فإنه لا حكم في الحقيقة لأحد سواه، وحساً بالنشر والحشر بأيسر أمر فيثيب الطائع ويعذب العاصي، ولما فرغ من بيان التوحيد أتى بعده بالتهديد فقال:
﴿وإن تكذبوا﴾ أي: وإن تكذبوني ﴿فقد﴾ أي: فيكفيكم في الوعظ والتهديد معرفتكم بأنه قد ﴿كذب أمم﴾ أي: في الأزمان الكائنة ﴿من قبلكم﴾ أي: من قبلي من الرسل فجرى الأمر فيهم على سنن واحد لم يختلف قط في نجاة المطيع للرّسول، وهلاك العاصي له، ولم يضرّ ذلك الرسول شيئاً وما أضروا به إلا أنفسهم ﴿وما على الرسول﴾ أن يقهركم على التصديق بل ما عليه ﴿إلا البلاغ المبين﴾ الموضح مع ظهوره في نفسه بلا مرية بحيث لا يبقى فيه شك بإظهار المعجزة وإقامة الأدلة على الوحدانية.
تنبيه: في المخاطب بهذه الآية والآيات بعدها إلى قوله تعالى: ﴿فما كان جواب قومه﴾ وجهان الأوّل: أنه قوم إبراهيم عليه السلام لأنّ القصة له فكأنّ إبراهيم عليه السلام قال لقومه: إن تكذبوني فقد كذب أمم من قبلكم، وإنما أتيت بما عليّ من التبليغ فإنّ الرسول ليس عليه إلا التبليغ والبيان، فإن قيل: إنّ إبراهيم عليه السلام لم يسبقه إلا قوم نوح وهم أمّة واحدة؟ أجيب: بأن قبل قوم نوح أيضاً كان أقوام كقوم إدريس وقوم شيث وآدم، وأيضاً فإنّ نوحاً عليه السلام عاش أكثر من ألف سنة وكان القرن يموت وتجيء أولاده والآباء يوصون الأبناء بالامتناع من الاتباع فكفى بقوم نوح أمما ولقد عاش إدريس ألف سنة في قومه إلى أن رفع إلى السماء وآمن به ألف إنسان منهم على عدد سنيه وأعقابهم على التكذيب.
الثاني: أنّ الآية مع قوم محمد ﷺ لأنّ هذه القصص أكثرها المقصود منه تذكير قومه بحال من مضى حتى يمتنعوا من التكذيب ويرتدعوا خوفاً من التعذيب فقال في أثناء حكاياتهم يا قوم: إن تكذبوا فقد كذب قبلكم أقوام هلكوا فإن كذبتم فإني أخاف عليكم أن يقع بكم ما وقع بغيركم، وعلى هذا اقتصر الجلال المحلي والبقاعي.
وهذه الآية تدل كما قال ابن عادل: على أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة لأنّ الرسول إذا بلغ شيئاً ولم يبينه فلم يأت بالبلاغ المبين.
﴿أو لم يروا﴾ أي: ينظروا ﴿كيف يبدئ الله﴾ أي: الذي له كل كمال ﴿الخلق﴾ أي: يخلقهم الله تعالى ابتداء نطفة ثم مضغة ثم علقة ﴿ثم﴾ هو لا غيره ﴿يعيده﴾ أي: الخلق كما كان ﴿إنّ ذلك﴾ أي: المذكور من الخلق الأوّل والثاني ﴿على الله﴾ أي: الجامع لكل كمال، المنزه عن كل شائبة نقص ﴿يسير﴾ فكيف ينكرون الثاني؟، فإن قيل: متى رأى الإنسان بدء الخلق حتى يقال أو لم يروا كيف يبدأ الله الخلق؟.
أجيب: بأنّ المراد بالرؤية العلم الواضح الذي هو كالرؤية فالعاقل يعلم أنّ البدء من الله تعالى لأنّ الخلق الأول لا يكون من مخلوق وإلا لما كان الخلق الأول خلقاً أوّل فهو من الله تعالى، فإن قيل علق الرؤية بالكيفية لا بالخلق ولم يقل أو لم يروا أنّ الله خلق أو بدأ الخلق والكيفية غير معلومة؟ أجيب: بأنّ هذا القدر من الكيفية معلوم وهو أنه خلقه ولم يكُ شيئاً مذكوراً
لا تصلح إلا لله الواحد القهار فلم يرجعوا عما هم عليه، وقرأ حمزة والكسائي في الوصل بضم الهاء والميم وقرأ أبو عمرو بكسرهما والباقون بكسر الهاء وضم الميم.
﴿أم للإنسان﴾ أي: كل إنسان منهم ﴿ما تمنى﴾ أي: من اتباع ما يشتهي من جاه ومال وطول عمر ورفاهة عيش، ومن أن الأصنام تشفع له ليس الأمر كذلك.
﴿فلله﴾ أي: الملك الأعظم وحده ﴿الآخرة﴾ فهو لا يعطي ما فيها إلا لمن تبع هداه وترك هواه ﴿والأولى﴾ أي: الدنيا فهو لا يعطي جميع الأماني فيها لأحد أصلاً كما هو مشاهد ولكنه يعطي منها ما يشاء لمن يريد وليس لأحد أن يتحكم عليه سبحانه في شيء منها.
﴿وكم من ملك﴾ أي: كثير من الملائكة أي ممن يعبدهم هؤلاء الكفار، ودلّ على زيادة قوّتهم بشرف مسكنهم، وهو قوله تعالى: ﴿في السموات﴾ أي: وهم في الكرامة والزلفى ﴿لا تغني شفاعتهم﴾ أي: عن أحد من الناس ﴿شيئاً﴾ ثم قصر الأمر عليه ورده بحذافيره إليه بقوله تعالى: ﴿إلا من بعد أن يأذن﴾ أي: يمكن ويريد ﴿الله﴾ أي الملك الذي لا أمر أصلاً لأحد معه ﴿لمن يشاء﴾ من عباده من الملائكة أو من الناس أن يشفع ﴿ويرضى﴾ أي: ويراه أهلاً لذلك فكيف تعبد الأصنام مع حقارتها لتشفع لهم.
﴿إنّ الذين لا يؤمنون بالآخرة﴾ أي: لا يصدقون ولا يقرّون بالبعث وغيره من أحوال يوم القيامة ﴿ليسمون الملائكة﴾ أي: كل واحد منهم ﴿تسمية الأنثى﴾ بأن سموه بنتاً، وذلك أنهم كانوا يقولون: الملائكة وجدوا من الله تعالى فهم أولاده بمعنى الإيجاد، ثم إنهم رأوا في الملائكة تاء التأنيث وصح عندهم أن يقال: سجدت الملائكة فقالوا بنات الله فسموهم تسمية الإناث.
فإن قيل: كيف يقال إنهم لا يؤمنون بالآخرة مع أنهم كانوا يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وكان من عادتهم أن يربطوا مركوباً على قبر من يموت ويعتقدون أنه يحشر عليه أجيب: بأنهم ما كانوا يجزمون به بل كانوا يقولون لا حشر فإن كان فلنا شفعاء بدليل ما حكى الله تعالى عنهم: ﴿وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إنّ لي عنده للحسنى﴾ (فصلت: ٥٠)
وبأنهم ما كانوا يعترفون بالآخرة على الوجه الذي وردت به الرسل فإن قيل: كيف قال: تسمية الأنثى ولم يقل تسمية الإناث أجيب بأن المراد بيان الجنس وهذا اللفظ أليق بهذا الموضع لمؤاخاة رؤوس الآي.
﴿وما﴾ أي: والحال أنهم ما ﴿لهم به﴾ أي: بما يقولون، وقيل: الضمير يعود إلى ما تقدّم من عدم قبول الشفاعة وقيل: يعود إلى الله تعالى أي ما لهم بالله تعالى ﴿من علم﴾ ثم بين تعالى الحامل لهم على ذلك بقوله تعالى: ﴿إن﴾ أي: ما ﴿يتبعون﴾ أي بغاية ما يكون من شهوة النفس في ذلك وغيره ﴿إلا الظن﴾ أي الذي يتخيلونه ﴿وإن﴾ أي: والحال أن ﴿الظن﴾ أي: مطلقاً في هذا وفي غيره، ولذلك أظهر في موضع الإضمار ﴿لا يغني﴾ أي إغناء مبتدأ ﴿من الحق﴾ أي: الأمر الثابت في نفس الأمر الذي هو حقيقة الشيء وذاته بحيث يكون الظن بدله والظن إنما يعتبر في العمليات لا في العلميات ولا سيما الأصولية ﴿شيئاً﴾ أي: من الإغناء عن أحد من الخلق فإنه لا يؤدّي أبداً إلى الجزم بالعلم بالشيء على ما هو عليه في نفس الأمر فهو ممنوع في أصول الدين، فإنّ المقصود فيها تحقيق الأمر على ما هو عليه في الواقع، وأما الفروع فإنّ المكلف به فيها هو الظن لكن بشرطه المأذون فيه وهو ردّه إلى الأصول المستنبط منها، لعجز الإنسان عن القطع في جميع الفروع


الصفحة التالية
Icon