والرفقة وغيرهما ﴿في الحج﴾ أي: في أيامه، فنفى الثلاث على قصد النهي للمبالغة وللدلالة على أنها حقيقة بأن لا تكون وما كان منها مستقبحاً في نفسه، ففي الحج أقبح كلبس الحرير في الصلاة، والتطريب بقراءة القرآن، وهو مدّ الصوت وتحسينه بحيث يخرج الحروف عن هيأتها، فإنه يقبح في كل كلام لكنه في قراءة القرآن أقبح، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو برفع الثاء من رفث والقاف من فسوق، والتنوين فيهما على معنى لا يكون رفث ولا فسوق والباقون بنصبهما ولا خلاف في ﴿ولا جدال﴾ فالجميع بالنصب ولا تنوين على معنى الإخبار، كأنه قيل: ولا شك ولا خلاف في الحج، وذلك أنّ قريشاً كانت تخالف سائر العرب فتقف بالمشعر الحرام وسائر العرب يقفون بعرفة وكانوا يقدّمون الحج سنة ويؤخرونه سنة وهو النسيء، فرد إلى وقت واحد ورد الوقوف إلى عرفة، فأخبر الله تعالى أنه قد ارتفع الخلاف في الحج، واستدل على أنّ المنهي عنه هو الرفث والفسوق دون الجدال بقوله ﷺ «من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج كهيئة يوم ولدته أمه» فإنه لم يذكر الجدال ﴿وما تفعلوا من خير﴾ كصدقة ﴿يعلمه الله﴾ فيه حث على الخير حيث عقب به النهي عن الشر وأن يستعملوا مكان القبيح من الكلام الحسن، ومكان الفسوق: البر والتقوى، ومكان الجدال: الوفاق والأخلاق الجميلة ﴿وتزوّدوا فإنّ خير الزاد التقوى﴾ أي: وتزوّدوا امعادكم التقوى فإنها خير زاد، روى البخاري وغيره أنّ أهل اليمن كانوا يخرجون إلى الحج بغير زاد ويقولون: نحن متوكلون، ونحن نحج بيت الله تعالى أفلا يطعمنا فيكونون كلاً على الناس فيسألونهم، وربما يفضي الحال بهم إلى النهب والغصب، فقال الله جل ذكره: ﴿وتزوّدوا﴾ أي: ما تتبلغون به وتكفون به وجوهكم، قال أهل التفسير: الكعك والزيت والسويق والتمر ونحوها، ﴿فإن
خير الزاد التقوى﴾
أي: ما يتقي به سؤال الناس وغيره.
﴿واتقون يا أولي الألباب﴾ أي: يا ذوي العقول فإن قضية اللب خشية الله تعالى وتقواه وحثهم على التقوى، ثم أمرهم بأن يكون المقصود بها هو الله تعالى فيتبرأ من كل شيء سواه، وهو مقتضى العقل العريّ عن شوائب الهوى فلذلك خص أولي الألباب بهذا الخطاب.
﴿س٢ش١٩٨/ش٢٠٠ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا؟ فَضْ؟ مِّن رَّبِّكُمْ؟ فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا؟ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ؟ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ؟ لَمِنَ الضَّآلِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا؟ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا؟ اللَّهَ؟ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا؟ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْءَابَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا؟ فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآءَاتِنَا فِى الدُّنْيَا وَمَا لَهُ؟ فِى ا؟خِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾
﴿ليس عليكم جناح﴾ في ﴿أن تبتغوا﴾ أي: تطلبوا ﴿فضلاً﴾ أي: رزقاً ﴿من ربكم﴾ بالتجارة، في الحج نزلت ردعاً لناس من العرب كانوا يتأثمون أن يتجروا أيام الحج، وإذا دخل العشر كفّوا عن البيع والشراء، فلم تقم لهم سوق، ويسمون من يخرج بالتجارة: الداج ويقولون: هؤلاء الداج وليسوا بالحاج.
وروى البخاري: أنه كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقهم في الجاهلية، يتجرون فيها في أيام الموسم، وكانت معايشهم منها، فلما جاء الإسلام تأثموا فرفع عنهم الجناح في ذلك وأبيح لهم.
وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قيل له: هل كنتم تكرهون التجارة في الحج؟ فقال: وهل كانت معايشنا إلا من التجارة في الحج. وعكاظ سوق لقيس ومجنة وهي بفتح الميم أشهر من كسرها وبفتح الجيم وتشديد النون سوق لكنانة بمرّ الظهران وذو المجاز وهو بفتح الميم وبالزاي سوق لهذيل.
﴿فإذا أفضتم﴾ دفعتم ﴿من عرفات﴾ وأصله أفضتم أنفسكم، فحذف المفعول كما حذفوه من دفعوا من موضع كذا، أي: دفعوا أنفسهم، واختلفوا في المعنى الذي لأجله سمي الموقف عرفات واليوم عرفة، فقال عطاء: كان جبريل عليه السلام يري إبراهيم
الشكاية به، فلا جرم استوجب به المدح العظيم والثناء الجزيل. روي أن يوسف عليه السلام قال لجبريل عليه السلام: هل لك علم بيعقوب؟ قال: نعم. قال: فكيف حزنه؟ قال: حزن سبعين ثكلى، وهي التي لها ولد واحد يموت. قال: فهل له أجر؟ قال: نعم أجر مئة شهيد، ولعل أمثال ذلك لا يدخل تحت التكليف فإنه قل من يملك نفسه عند الشدائد وأيضاً البكاء مباح فقد بكى رسول الله ﷺ على ولده إبراهيم وقال: «القلب يحزن والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون». رواه الشيخان.
تنبيه: شرف الإنسان باللسان والعين والقلب فبين تعالى أن هذه الثلاثة كانت غريقة في الغم، فاللسان كان مشغولاً بقوله: يا أسفا، والعين بالبكاء والبياض، والقلب بالغم الشديد، أي: الذي يشبه الوعاء المملوء الذي سد فلا يمكن خروج الماء منه، وهذا مبالغة في وصف ذلك الغم.
ولما وقع من يعقوب عليه السلام ذلك كأن قائلاً يقول: فما قال له أولاده؟ فقيل:
﴿قالوا﴾ له حنقاً من ذلك ﴿تالله تفتؤ﴾، أي: لا تفتأ، أي: لا تزال ﴿تذكر يوسف﴾ تفجعاً، فتفتأ جواب القسم وهو على حذف لا كقول الشاعر:

*فقلت يمين الله أبرح قاعداً ولو قطعوا رأسي إليك وأوصالي
ويدل على حذفها أنه لو كان مثبتاً لاقترن بلام الابتداء ونون التوكيد معاً عند البصريين أو أحدهما عند الكوفيين، فتفتأ هنا ناقصة بمعنى لا تزال كما تقرّر، ورسمت تفتؤ بالواو ﴿حتى﴾ إلى أن ﴿تكون حرضاً﴾، أي: مشرفاً على الهلاك لطول مرضك وهو مصدر يستوي فيه الواحد وغيره ﴿أو تكون من الهالكين﴾، أي: الموتى.
فإن قيل: لما حلفوا على ذلك مع أنهم لم يعلموا ذلك قطعاً؟ أجيب: بأنهم بنوا الأمر على الظاهر، قال أكثر المفسرين: قائل هذا الكلام هم أخوة يوسف، وقال بعضهم: ليس الأخوة بل الجماعة الذين كانوا في الدار من أولاده وخدمه، ولما قالوا له ذلك فكأن قائلاً يقول: فما قال لهم؟ فقيل:
﴿قال﴾ لهم ﴿إنما أشكو بثي﴾ والبث أشد الحزن سمي بذلك؛ لأنه من صعوبته لا يطاق حمله فيباح به وينشر ﴿وحزني﴾ مطلقاً وإن كان سببه خفيفاً يقدر الخلق على إزالته ﴿إلى الله﴾ المحيط بكل شيء علماً وقدرةً لا إلى غيره، فهو الذي تنفع الشكوى إليه ﴿وأعلم من الله﴾، أي: الملك الأعلى من اللطف بنا أهل البيت ﴿ما لا تعلمون﴾ فيأتيني بالفرج من حيث لا أحتسب، وفي ذلك إشارة إلى أنه كان يعلم حياة يوسف، ويتوقع رجوعه إليه وذكروا لسبب هذا التوقع أموراً: أحدها: أنّ ملك الموت أتاه فقال له: يا ملك الموت هل قبضت روح ابني يوسف؟ قال: لا يا نبي الله، ثم أشار إلى جانب مصر وقال: اطلبه من ههنا ولذلك قال:
﴿يا بنيّ اذهبوا فتحسسوا﴾، أي: والتحسيس طلب الخبر بالحاسة وهو قريب من التجسيس بالجيم، وقيل: التحسيس بالحاء يكون في الخير، وبالجيم يكون في الشرّ ومنه الجاسوس وهو الذي يطلب الكشف عن عورة الناس، والمعنى تحسسوا خبراً ﴿من﴾ أخبار ﴿يوسف وأخيه﴾، أي: اطلبوا خبرهما.
وثانيها: أنه علم أنّ رؤيا يوسف عليه السلام صادقة؛ لأنّ أمارات الرشد والكمال ظاهرة في حق يوسف عليه السلام، ورؤيا مثله لا تخطئ.
وثالثها: لعله تعالى أوحى إليه أنه سيوصله إليه، ولكنه تعالى ما عين الوقت، فلهذا بقي في القلق.
ورابعها: قال السدي: لما أخبره بنوه بسيرة الملك وكمال
وأنه خلقه من نطفة هي من غذاء هو من ماء وتراب وهذا القدر كاف في حصول العلم بإمكان الإعادة، فإن قيل: لمَ أبرز اسمه تعالى في أن ذلك على الله يسير ولم يقل إن ذلك عليه كما قال: ثم يعيده من غير إبراز؟.
أجيب: بأنه مع إقامة البرهان على أنه يسير أكده بإظهار اسمه فإنه يوجب المعرفة أيضاً بكون ذلك يسيراً فإن الإنسان إذا سمع لفظ الله وفهم معناه أنه الحيّ القادر بقدرة كاملة لا يعجزه شيء، محيط بذرات كل نافذ الإرادة يقطع بجواز الإعادة، وقرأ حمزة والكسائي وخلف تروا بالتاء على الخطاب على تقدير القول، والباقون بالياء على الغيْبة، ولما ساق تعالى هذا الدليل الذي حاجَّ به الخليل قومه قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم
﴿قل﴾ أي: لهؤلاء الذين تعبدوا بما تقلدوا بمذاهب آبائهم ﴿سيروا﴾ إن لم تقتدوا بأبيكم إبراهيم عليه الصلاة والسلام وتتأمّلوا ما أقام من الدليل القاطع والبرهان الساطع ﴿في الأرض﴾ إن لم يكفكم النظر في أحوال بلادكم ﴿فانظروا﴾ أي: نظر اعتبار ﴿كيف بدأ﴾ ربكم الذي خلقكم ورزقكم ﴿الخلق﴾ من الحيوان والنبات والزروع والأشجار وغير ذلك مما تضمنته الجبال والسهول ﴿ثم الله﴾ أي: الحائز لجميع صفات الكمال ﴿ينشئ النشأة الآخرة﴾ بعد النشأة الأولى، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الشين وألف بعد الشين ممدودة قبل الهمزة، والباقون بسكون الشين والهمزة بعد الشين، ثم علل ذلك بقوله تعالى: ﴿إن الله على كل شيء قدير﴾ لأن نسبة الأشياء كلها إليه واحدة، فإن قيل: أبرز اسم الله في الآية الأولى عند البدء فقال كيف يبدأ الله. وأضمره عند الإعادة وههنا أضمره عند البدء وأبرزه عند الإعادة فقال ثم الله ينشئ؟ أجيب: بأنه في الآية الأولى لم يسبق ذكر الله تعالى بفعل حتى يسند إليه البدء فقال: كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده اكتفاء بالأولى، وفي الثانية: كان ذكر البدء مسنداً إلى الله تعالى فاكتفى به ولم يبرزه، وأمّا إظهاره عند الإنشاء ثانياً فقال ثم الله ينشئ مع أنه كان يكفي أن يقول ثم ينشئ النشأة الآخرة فلحكمة بالغة وهي أنه مع إقامة البرهان على إمكان الإعادة أظهر اسمه حتى يفهم به صفات كماله ونعوت جلاله فيقطع بجواز الإعادة فقال: ثم الله مظهراً ليقع في ذهن الإنسان من اسمه كمال قدرته وشمول علمه ونفوذ إرادته فيعترف بوقوع بدئه وجواز إعادته.
فإن قيل: قال في الأولى ﴿أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق﴾ بلفظ المستقبل وههنا قال: ﴿فانظروا كيف بدأ الخلق﴾ بلفظ الماضي فما الحكمة؟ أجيب: بأن الدليل الأوّل هو الدليل النفسي الموجب للعلم وهو موجب للعلم ببدء الخلق، وأمّا الدليل الثاني: فمعناه إن كان ليس لكم علم بأن الله يبدأ الخلق فانظروا إلى الأشياء المخلوقة فيحصل لكم العلم بأنّ الله بدأ خلقاً، ويحصل من هذا القدر العلم بأنه ينشئ كما بدأ ذلك.
فإن قيل قال في هذه الآية: ﴿إنّ الله على كل شيء قدير﴾ وقال في الأولى: ﴿إن ذلك على الله يسير﴾ فما فائدته؟ أجيب بأنّ فيه فائدتين الأولى أن الدليل الأوّل هو الدليل: النفسي وهو وإن كان موجباً للعلم التامّ ولكن عند انضمام الدليل الآفاقي إليه يحصل العلم التامّ لأنه بالنظر إلى نفسه علم حاجته إلى غيره ووجوده منه فيتم علمه بأنّ كل شيء من الله تعالى فقال عند تمام الدليل: ﴿إنّ الله على كل شيء قدير﴾ وقال عند الدليل الواحد إنّ ذلك وهو الإعادة على
تنبيهاً على عجزه وافتقاره إلى الله تعالى ليقبل عليه ويتبرأ من حوله وقوّته ليكشف له عن الحقائق.
ولما أن أصروا على الهوى بعد مجيء الهدى سبب عن ذلك قوله تعالى: ﴿فأعرض﴾ أي: يا أشرف الرسل ﴿عمن تولى﴾ أي: كلف نفسه خلاف ما يدعو إليه العقل والفطرة الأولى ﴿عن ذكرنا﴾ أي: القرآن الذي أنزلناه فلم يتله ولم يتدبر معانيه ﴿ولم يرد﴾ أي: في وقت من الأوقات ﴿إلا الحياة الدنيا﴾ أي الحاضرة لتقيده بالمحسوسات كالبهائم مع العمى عن دناءتها وحقارتها. قال الجلال المحلي: وهذا قبل الأمر بالجهاد.
قال الرازي: وأكثر المفسرين يقولون: بأن كل ما في القرآن من قوله تعالى: ﴿فأعرض﴾ منسوخ بآية القتال وهو باطل، لأنّ الأمر بالإعراض موافق لآية القتال فكيف ينسخ بها وذلك لأنّ النبيّ ﷺ في الأول كان مأموراً بالدعاء بالحكمة والموعظة الحسنة فلما عارضوه بأباطيلهم أمر بإزالة شبههم والجواب عن أباطيلهم. وقيل له: وجادلهم بالتي أحسن ثم لما لم ينفع قال له ربه: أعرض عنهم ولا تقل لهم بالدليل والبرهان فإنهم لا ينتفعون به ولا يتبعون الحق، وقاتلهم والإعراض عن المناظرة شرط لجواز المقاتلة فكيف يكون منسوخاً بها.
﴿ذلك﴾ أي: الأمر المتناهي في الجهل والقباحة ﴿مبلغهم﴾ أي: نهاية بلوغهم وموضع بلوغهم والحاصل لهم وتهكم بهم بقوله تعالى: ﴿من العلم﴾ أي غايتهم من العلم أنهم آثروا الدنيا على الآخرة، والجملة اعتراض مقرر لقصور همتهم على الدنيا وقوله تعالى: ﴿إنّ ربك﴾ أي: المحسن إليك بالرسالة ﴿هو أعلم﴾ أي: عالم ﴿بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى﴾ أي: ظاهراً وباطناً، تعليل للأمر بالإعراض أي إنما يعلم الله من يجيب ممن لا يجيب فلا تتعب نفسك في دعوتهم إذ ما عليك إلا البلاغ وقد بلغت، لأنّ النبيّ ﷺ كان كالطبيب للقلوب فأتى على ترتيب الأطباء في أنّ المرض إذا أمكن إصلاحه بالغذاء لا يستعملون الدواء، وما أمكن إصلاحه بالدواء الضعيف لا يستعملون الدواء القويّ، ثم إذا عجزوا عن المداواة بالمشروبات وغيرها عدلوا إلى الحديد والكي كما قيل: آخر الدواء الكي فالنبيّ ﷺ أولاً أمر القلوب بذكر الله تعالى فقط، فإن بذكر الله تطمئن القلوب، كما أنّ بالغذاء تطمئن النفوس والذكر غذاء القلوب، ولهذا قال ﷺ أولاً: «قولوا لا إله إلا الله أمر بالذكر فانتفع مثل أبي بكر، ومن لم ينتفع ذكر لهم الدليل وقال ﴿أو لم يتفكروا﴾ (الأعراف: ١٨٤)
﴿قل انظروا﴾ (يونس: ١٠١)
﴿أفلا ينظرون﴾ (الغاشية: ١٧)
إلى غير ذلك، فلما لم ينتفعوا أتى بالوعيد والتهديد فلما لم ينفعهم قال أعرض عن المعالجة واقطع الفاسد لئلا يفسد الصالح.
فإن قيل: إنّ الله تعالى بين أنّ غايتهم ذلك في العلم ولا يكلف الله تعالى نفساً إلا وسعها والمجنون الذي لا علم له أو الصبيّ الذي لا يؤمر بما فوق احتماله فكيف يعاقبهم الله تعالى؟ أجيب: بأنه ذكر قبل ذلك أنهم تولوا عن ذكر الله فكان عدم علمهم لعدم قبولهم العلم، وإنما قدر الله تعالى توليهم ليضاف الجهل إلى ذلك فيتحقق العقاب.
﴿ولله﴾ أي: الملك الأعظم وحده ﴿ما في السموات وما في الأرض﴾ أي: من الذوات والمعاني فيشمل ذلك السموات والأرض معترض بين الآية الأولى وبين قوله تعالى ﴿ليجزي الذين أساؤوا﴾ أي: بالضلال ﴿بما عملوا﴾ أي: بسببه أو بجنسه إما بواسطتك بسيوفك وبسيوف أتباعك إذ أذنت لكم


الصفحة التالية
Icon