شوائب الوهم والركون إلى متابعة الهوى.
﴿س٢ش٢٧٠/ش٢٧٤ وَمَآ أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ؟؟ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * إِن تُبْدُوا؟ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِىَ؟ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ؟ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّ؟َاتِكُمْ؟ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَ؟ـاهُمْ وَلَاكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ؟ وَمَا تُنفِقُوا؟ مِنْ خَيْرٍ فَ؟نفُسِكُمْ؟ وَمَا تُنفِقُونَ إِs ابْتِغَآءَ وَجْهِ اللَّهِ؟ وَمَا تُنفِقُوا؟ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ تُظْلَمُونَ * لِلْفُقَرَآءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا؟ فِى سَبِيلِ اللَّهِ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِى ا؟رْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ يَسْـ؟َلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا؟ وَمَا تُنفِقُوا؟ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ؟ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَ نِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَهُمْ يَحْزَنُونَ﴾
﴿وما أنفقتم﴾ أي: أديتم ﴿من نفقة﴾ قليلة أو كثيرة سراً أو علانية زكاة أو صدقة تطوع ﴿أو نذرتم من نذر﴾ بشرط أو بغير شرط فوفيتم به ﴿فإنّ الله يعلمه﴾ فيجازيكم به.
فإن قيل: لِمَ وحّد الضمير في يعلمه وقد تقدّم شيئان: النفقة والنذر؟ أجيب: بأنّ العطف بأو وهي لأحد الشيئين تقول: زيد أو عمرو أكرمته، ولا يجوز أكرمتهما بل يجوز أن يراعى الأول نحو زيد أو هند منطلق، والثاني نحو زيد أو هند منطلقة، والآية من هذا، ومن مراعاة الأوّل ﴿وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها﴾ (الجمعة، ١١) ولا يجاز أن يقال: منطلقان ولهذا أوجل النحاة قوله تعالى: ﴿إن يكن غنياً أو فقيراً فا أولى بهما﴾ (النساء، ١٣٥) كما سيأتي إن شاء الله تعالى ﴿وما للظالمين﴾ بمنع الزكاة والنذر أو بوضع الإنفاق في غير محله من معاصي الله تعالى ﴿من أنصار﴾ أي: من ينصرهم من الله ويمنعهم من عذابه فهو على طريق التوزيع والمقابلة أي: لا ناصر لظالم قط فسقط ما يقال إنّ نفي الأنصار لا يوجب نفي الناصر.
﴿إن تبدوا﴾ أي: تظهروا ﴿الصدقات﴾ أي: النوافل ﴿فنعما هي﴾ أي: فنعم شيئاً إبداؤها، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بفتح النون، والباقون بكسرها، وقرأ قالون وأبو عمرو باختلاس كسرة العين، والباقون بالكسرة الكاملة.
﴿وإن تخفوها﴾ أي: تسروها ﴿وتؤتوها الفقراء﴾ أي: تعطوها لهم في السر ﴿فهو خير لكم﴾ أي: أفضل من إبدائها وإيتاؤها للفقراء أفضل من إيتائها للأغنياء. سئل ﷺ هل صدقة السر أفضل أم صدقة العلانية؟ فنزلت هذه الآية، وفي الحديث: «صدقة السر تطفىء غضب الرب» وقال ﷺ «سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله تعالى، ورجل قلبه متعلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله تعالى فاجتمعا على ذلك وتفرّقا، ورجل ذكر الله تعالى خالياً ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله تعالى، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» نعم إن كان ممن يقتدى به فالإظهار في حقه أفضل، أما صدقة الفرض فالأفضل إظهارها، كالصلاة المكتوبة في الجماعة أفضل والنافلة في البيت أفضل وليقتدى به، لئلا يتهم ولا يجوز دفع شيء منها للأغنياء. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: «صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها بسبعين ضعفاً، وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفاً».
تنبيه: الصدقة تطلق على الفرض والنفل قال تعالى: ﴿خذ من أموالهم صدقة تطهرهم﴾ (هود، ١٠٣) وقال عليه الصلاة والسلام: «نفقة المرء على عياله صدقة» والزكاة لا تطلق إلا على الفرض» ﴿ونكفّر عنكم من سيآتكم﴾ أي: بعضها وقيل: من صلة، وقرأ ابن عامر وحفص بالياء التحتية، والباقون بالنون. وقرأ نافع وحمزة والكسائي بجزم الراء بالعطف على محل فهو، والباقون بالرفع على الاستئناف.
وقوله تعالى: ﴿وا بما تعملون خبير﴾ فيه ترغيب في الإسرار لأنه عالم بباطن الشيء كظاهره ولا يخفى عليه شيء منه.
ولما منع النبيّ ﷺ المسلمين من التصدّق على فقراء المشركين، كي تحملهم الحاجة ليسلموا نزل:
﴿ليس عليك هداهم﴾ أي: لا يجب عليك أن تجعل الناس مهديين فتمنعهم الصدقة ليدخلوا في الإسلام حاجة منهم إليها، وإنما عليك الإرشاد
الثقلين». وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: شهدنا جنازة مع رسول الله ﷺ فلما فرغنا من دفنها وانصرف الناس قال: «إنه الآن يسمع خفق نعالكم أتاه منكر ونكير أعينهما مثل قدور النحاس وأنيابهما مثل صياصي البقر، وأصواتهما مثل الرعد فيجلسانه فيسألانه ما كان يعبد ومن نبيه؟ فإن كان ممن يعبد الله تعالى قال: كنت أعبد الله ونبيي محمد ﷺ جاءنا بالبينات والهدى فآمنا به واتبعناه فذلك قوله
تعالى: ﴿يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة﴾ فيقال له: على اليقين حييت وعليه مت وعليه تبعث، ثم يفتح له باب إلى الجنة ويوسع له في حفرته، وإن كان من أهل الشك قال: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته فيقال له: على الشك حييت وعليه مت وعليه تبعث، ثم يفتح له باب إلى النار ويسلط عليه عقارب وتنانين لو نفخ أحدهم في الدنيا ما أنبتت شيئاً، فتنهشه وتؤمر الأرض فتنضم عليه حتى تختلف أضلاعه»
. فنسأل الله الثبات لنا ولوالدينا ولأحبابنا في الدنيا والآخرة إنه كريم جواد. ثم إنه تعالى عاد إلى وصف الكافرين فقال:
﴿ألم تر﴾، أي: تنظر، وفي المخاطب ما تقدّم ﴿إلى الذين بدّلوا﴾ والتبديل جعل الشيء مكان غيره ﴿نعمة الله﴾، أي: التي أسبغها عليهم من كلمة التوحيد ومن جميع النعم الدنيوية وتيسير الرزق وغير ذلك بأن جعلوا مكان شكرها ﴿كفراً﴾ وهم يدعون أنهم أشكر الناس للإحسان، وأعلاهم همماً في الوفاء وأبعدهم عن الجفاء ﴿وأحلوا﴾، أي: أنزلوا ﴿قومهم﴾، أي: الذين تابعوهم في الكفر بإضلالهم إياهم ﴿دار البوار﴾، أي: الهلاك مع إدعائهم أنهم أذب الناس عن الجار فضلاً عن الأهل. روى البخاري في التفسير أنهم كفار أهل مكة، وقوله تعالى:
﴿جهنم﴾ عطف بيان ﴿يصلونها﴾، أي: يدخلونها ﴿وبئس القرار﴾، أي: المقر هي.
﴿وجعلوا لله﴾، أي: الذين يعلمون أنه لا شريك له في خلقهم ولا رزقهم؛ لأنّ له الكمال كله ﴿أنداداً﴾، أي: شركاء، وقوله تعالى: ﴿ليضلوا عن سبيله﴾، أي: دين الإسلام، فيه قراءتان: قرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء من ضلّ، يضلّ والباقون بضم الياء من أضل يضل، وليس الضلال ولا الإضلال غرضهم في اتخاذ الأنداد لكن لما كان نتيجته جعل كالغرض. ولما حكى الله تعالى عنهم هذه الأنواع الثلاثة من الأعمال القبيحة قال لنبيه ﷺ ﴿قل﴾، أي: تهديداً لهم، فإنهم لا يشكون في قولك وإن عاندوا ﴿تمتعوا﴾ بدنياكم قليلاً ﴿فإن مصيركم﴾، أي: مرجعكم ﴿إلى النار﴾ في الآخرة، ولما أمر الله تعالى الكافرين على سبيل التهديد والوعيد بالتمتع بنعيم الدنيا، أمر المؤمنين بترك التمتع بالدنيا والمبالغة في المجاهدة بالنفس والمال بقوله تعالى:
﴿قل لعبادي﴾ فوصفهم بأشرف أوصافهم، وأضافهم إلى ضميره الشريف تحبباً لهم فيه، ثم أتبع هذا الوصف ما يناسبه من إذعانهم لسيدهم بقوله تعالى: ﴿الذين آمنوا﴾، أي: أوجدوا هذا الوصف ﴿يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم﴾ فيه وجهان: أحدهما: يصح أن يكون جواباً بالأمر محذوف تقديره قل لعبادي الذين آمنوا: أقيموا الصلاة وأنفقوا يقيموا الصلاة وينفقوا. والثاني: يصح أن يكون هو أمراً مقولاً محذوفاً منه اللام، أي: ليقيموا ليصح تعلق القول بهما، وإنما حسن ذلك هاهنا ولم يحسن في قوله:
والمراد بالحديث الحديث المنكر كما جاء في الحديث: «الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش» ويجوز أن تكون الإضافة بمعنى مِنْ التبعيضية، كأنه قيل: ومن الناس من يشتري بعض الحديث الذي هو اللهو.
قال الكلبي ومقاتل: نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة كان يتجر فيأتي الحيرة ويشتري أخبار العجم ويحدّث بها قريشاً ويقول: إنّ محمداً يحدّثكم بحديث عاد وثمود وأنا أحدّثكم بحديث رستم واسفنديار وأخبار الأكاسرة، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقال مجاهد: يعني شراء المغنيات والمغنين. ووجه الكلام على هذا التأويل: من يشتري ذات أو ذا لهو الحديث.
وقيل: كان النضر يشتري المغنيات ولا يظفر بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينة فيقول: أطعميه واسقيه وغنيه ويقول: هذا خير لك مما يدعوك إليه محمد من الصلاة والصيام وأن تقاتل بين يديه، وعن أبي أمامة قال قال رسول الله ﷺ «لا يحل تعليم المغنيات ولا بيعهنّ وأثمانهنّ حرام» وفي مثل هذا نزلت الآية وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله عليه شيطانين أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربانه بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت»، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله ﷺ «نهى عن ثمن الكلب وكسب المزمار» وقال مكحول: من اشترى جارية ضرابة ليمسكها لغنائها وضربها مقيماً عليه حتى يموت لم أصل عليه إن الله تعالى ليقول ﴿ومن الناس من يشتري لهو الحديث﴾ الآية، وعن الحسن وغيره قالوا: لهو الحديث هو الغناء، والآية نزلت فيه ومعنى يشتري لهو الحديث يستبدل ويختار الغناء والمزامير والمعازف على القرآن، وقال أبو الصهباء: سألت ابن مسعود عن هذه الآية فقال: هو الغناء والله الذي لا إله إلا هو يردّدها ثلاث مرّات. وقال إبراهيم النخعيّ: الغناء ينبت النفاق في القلب، قال وكان أصحابنا يأخذون بأفواه السكك يخرقون الدفوف، وقال ابن جريج: لهو الحديث هو الطبل، وقال الضحاك: هو الشرك، وقال قتادة: هو كل لهو ولعب، وقيل: الغناء منفدة للمال مسخطة للرّب مفسدة للقلب ﴿ليضلّ عن سبيل الله﴾ أي: الطريق الواضح الموصل للملك الأعلى المستجمع لصفات الكمال ضدّ ما كان عليه المحسنون من الهدى، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء قبل الضاد من الضلالة بمعنى ليثبت على ضلاله، والباقون بضمها، ونكر قوله تعالى ﴿بغير علم﴾ ليفيد السلب العامّ لكل نوع من أنواع العلم أي: لأنه لا علم بشيء من حال السبيل ولا حال غيرها علماً يستحق إطلاق العلم عليه، فإن قيل: ما معنى قوله تعالى بغير علم؟ أجيب: بأنه تعالى لما
جعله مشترياً لهو الحديث بالقرآن قال يشتري بغير علم بالتجارة بغير بصيرة بها حيث يستبدل الضلال بالهدى والباطل بالحق. ونحوه قوله تعالى ﴿فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين﴾ (البقرة: ١٦)
أي: وما كانوا مهتدين بالتجارة وبصراء بها ﴿ويتخذها﴾ أي: السبيل التي لا أشرف منها مع ما ثبت له من الجهل المطلق ﴿هزواً﴾ أي: مهزوّا بها، وقرأ حمزة والكسائي وحفص بنصب الذال عطفاً على يضلّ، والباقون بالرفع على يشتري، وسكن حمزة زاي هزواً وضمها الباقون، ولما انفتح هذا الشقاء الدائم بينه بقوله تعالى:
إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سُئِلوه بذلوه وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم». وقال محمد بن كعب القرظي: هم الأنبياء عليهم السلام، وقال الحسن وقتادة: السابقون إلى الإيمان من كل أمّة؛ وقال محمد بن سيرين: هم الذين صلوا إلى القبلتين قال تعالى: ﴿والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار﴾ (التوبة: ١٠٠)
وقال مجاهد والضحاك: هم السابقون إلى الجهاد وأوّل الناس رواحاً إلى الصلاة؛ وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: هم السابقون إلى الصلوات الخمس؛ وقال سعيد بن جبير: إلى التوبة وأعمال البرّ، قال تعالى: ﴿وسارعوا إلى مغفرة من ربكم﴾ (آل عمران: ١٣٣)
﴿ثم أثنى عليهم فقال تعالى أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون﴾ (المؤمنون: ٦١)
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: هم أربعة: منهم سابق أمّة موسى عليه السلام وهو حز قيل مؤمن آل فرعون، وسابق أمّة عيسى عليه السلام وهو حبيب النجار صاحب أنطاكية، وسابقا أمة محمد ﷺ وهما: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. وقال سميط بن عجلان: الناس ثلاثة: رجل ابتكر الخير في حداثة سنه ثم داوم عليه حتى خرج من الدنيا فهذا هو السابق المقرب، ورجل ابتكر عمره بالذنوب ثم طول الغفلة ثم رجع بتوبته حتى ختم له بها فهذا من أصحاب اليمين، ورجل ابتكر عمره بالذنوب ثم لم يزل عليها حتى ختم له بها فهذا من أصحاب الشمال. وروي عن كعب قال: هم أهل القرآن المتوجون يوم القيامة، وقيل: هم أوّل الناس رواحاً إلى المسجد وأولهم خروجاً في سبيل الله.
وخبر المبتدأ ﴿أولئك﴾ أي: العالو الرتبة جداً ﴿المقرّبون﴾ أي: الذين قربت درجاتهم في الجنة من العرش وأعليت مراتبهم واصطفاهم الله تعالى للسبق، فأرادهم لقربه ولولا فضله في تقريبهم لم يكونوا سابقين؛ قال الرازي في اللوامع: المقرّبون تخلصوا من نفوسهم وأعمالهم كلها الله تعالى ديناً ودنيا من حق الله تعالى، وحق الناس وكلاهما عندهم حق الله تعالى، والدنيا عندهم آخرتهم لأنهم يراقبون ما يبدو لهم من ملكوته فيتلقونه بالرضا والإنقياد، وهم صنفان: صنف قلوبهم في جلاله وعظمته هائمة قد ملكتهم هيبته فالحق يستعملهم في وصف آخر قد أرخى من عنانه والأمر عليه أسهل لأنه قد جاوز بقلبه هذه الخطة، ومحله أعلى فهو أمين الله تعالى في أرضه فيكون عليه أوسع ا. هـ.
ثم بين تقريبه لهم بقوله تعالى: ﴿في جنات النعيم﴾ أي: الذي لا كدر فيه بوجه ولا منغص ولما ذكر السابقين فصلهم بقوله تعالى: ﴿ثلة﴾ أي: جماعة وقيدها الزمخشري بالكثيرة وأنشد:

*وجاءت إليهم ثلة خندفية تجيش كتيار من السيل مزبد*
قال ابن عادل: ولم يقيدها غيره بل صرّح بأنها الجماعة؛ قلت: أو كثرت ثم قال: والكثرة التي فهمها الزمخشري قد تكون من السياق ا. هـ. لكن قال البغوي: والثلة جماعة غير محصورة العدد ﴿من الأولين﴾ أي: من الأمم السابقة من لدن آدم إلى محمد ﷺ من النبيين عليهم السلام ومن آمن بهم ﴿وقليل من الآخرين﴾ وهم من آمن بمحمد ﷺ فقد كان الأنبياء عليهم السلام مئة ألف ونيفاً وعشرين ألفاً، وكان من خرج مع موسى عليه السلام من مصر وهو مؤمن به من الرجال المقاتلين ممن هو فوق العشرين ودون الثمانين ست مئة ألف، فما ظنك بمن عداهم من الشيوخ ومن دون العشرين من البالغين الصبيان ومن النساء، فكيف بمن عداه من سائر النبيين عليهم السلام المجدّدين من بني إسرائيل وغيرهم. قال البيضاوي: ولا يخالف ذلك


الصفحة التالية
Icon