قال النبيّ ﷺ «إن الله يحب الحييّ الحليم المتعفف ويبغض البذي السآل الملحف»، وقال ﷺ «لأن يأخذ أحدكم حبله فيذهب فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيكف بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أشياءهم أعطوه أو منعوه» وقال ﷺ «من سأل وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خدوش» قيل: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: «خمسون درهماً أو قيمتها» ﴿وما ينفقوا من خير﴾ أي: مال ﴿فإنّ الله به عليم﴾ فيجازيكم وفي هذا ترغيب في الإنفاق.
﴿الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار وسراً وعلانية﴾ أي: يعمّون الأوقات والأحوال بالصدقة لحرصهم على الخير. نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: تصدّق بأربعين ألف دينار، عشرة بالليل، وعشرة بالنهار، وعشرة بالسر، وعشرة بالعلانية. وفي علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: كانت عنده أربعة دراهم لا يملك غيرها، فتصدّق بدرهم ليلاً وبدرهم نهاراً وبدرهم سراً وبدرهم علانية. وقال الأوزاعي: نزلت في الذين يربطون الخيل للجهاد فإنها تعلف ليلاً ونهاراً سراً وعلانية.
روي أنه ﷺ قال: «من احتبس فرساً في سبيل الله إيماناً بالله وتصديقاً بوعده فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة» وقوله تعالى: ﴿فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ خبر الذين ينفقون والفاء للسببية.
فإن قيل: أيّ فرق بين قوله هنا ﴿فلهم أجرهم﴾ (البقرة، ٢٧٤) وفيما مرّ ﴿لهم أجرهم﴾ (البقرة، ٢٦٢) ؟ أجيب: بأنّ الموصول ثم لم يضمن معنى الشرط وضمنه هنا.
أي: يأخذونه وهو لغة الزيادة وشرعاً عقد على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد أو مع تأخير في البدلين أو أحدهما وهو ثلاثة أنواع: ربا الفضل وهو البيع مع زيادة أحد العوضين على الآخر وربا اليد وهو البيع مع تأخير قبضهما أو قبض أحدهما، وربا النساء وهو البيع إلى أجل وإنما ذكر الأكل؛ لأنه أعظم منافع المال كقوله تعالى: ﴿إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً﴾ (النساء، ١٠) فنبه بالأكل على ما سواه من وجوه الإتلافات؛ ولأنّ نفس الربا الذي هو الزيادة لا يؤكل وإنما يصرف في المأكول وقال ﷺ «لعن الله آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه والمحلل له» فعلمنا أنّ الحرمة غير مختصة بالأكل.
ولما كان بين الصدقة والربا مناسبة من جهة التضادّ؛ لأنّ الصدقة عبارة عن تنقيص المال بأمر الله بذلك والربا عبارة عن طلب الزيادة على المال مع نهي الله عنه فكانا كالمتضادين ذكر عقب الصدقة ويرسم بالواو والألف بعد الواو وإنما رسم على لغة من يفخم وهو يميل الألف أي يخرج الواو كما كتبت الصلاة والزكاة. وقيل: لأنّ أهل الحجاز تعلموا الخط من أهل الحيرة ولغتهم الربو بالواو الساكنة، فعلموهم الخط على لغتهم وزيدت الألف بعدها تشبيهاً بواو الجمع ﴿لا يقومون﴾ إذا بعثوا من قبورهم ﴿إلا﴾ أي: قياماً ﴿كما يقوم الذي يتخبطه﴾ أي: يصرعه ﴿الشيطان﴾ وقوله تعالى: ﴿من المس﴾ أي: الجنون متعلق بتخبطه من جهة الجنون فيكون في موضع نصب قاله أبو البقاء: والمعنى أنّ آكل الربا يبعث يوم القيامة وهو كالمصروع تلك سيماه يعرف بها عند أهل الموقف.
فإن قيل: لم نسب هذا للشيطان؟ أجيب: بأنه وارد على ما تزعم العرب أنّ الشيطان يتخبط الإنسان فيصرع والخبط الضرب على غير استواء يقال: ناقة خبوط للتي تطأ الناس
الشهور، وكل ذلك بتسخير الله تعالى وإنعامه، وثامنها وتاسعها: قوله تعالى: ﴿وسخر لكم الليل والنهار﴾ يتعاقبان فيكم بالضياء والظلمة، والزيادة والنقصان، وذلك من نعم الله تعالى على عباده حيث جعل لهم الليل ليسكنوا فيه، والنهار ليبتغوا فيه من فضله. وعاشرها: قوله تعالى:
﴿وآتاكم من كل ما سألتموه﴾، أي: مما أنتم محتاجون إليه على حسب مصالحكم، فأنتم سألتموه بالقوّة. ولما ذكر سبحانه وتعالى بعض ما أنعم به على عباده بين أنّ العبد عاجز عن حصرها وعدّها بقوله تعالى: ﴿وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها﴾، أي: لا تحيطوا بها ولا تطيقوا عدّها وبلوغ آخرها هذا إذا أرادوا أن يعدّوها على الإجمال، وأمّا على التفصيل فلا يقدر عليه ولا يعلمه إلا الله تعالى. ﴿إنّ الإنسان﴾، أي: الكافر، وقال ابن عباس: يريد أبا جهل. ﴿لظلوم﴾، أي: كثير الظلم لنفسه ﴿كفار﴾، أي: كفور لنعم ربه، وقيل: ظلوم في الشدّة يشكو ويجزع كفار في النعمة يجمع ويمنع. فإن قيل: لم قال تعالى هنا ﴿إنّ الإنسان لظلوم كفار﴾ وفي النحل: ﴿إنّ الله لغفور رحيم﴾ (النحل، ١٨)
أجيب: بأنه تعالى يقول للعبد: إذاحصلت لك النعم الكثيرة فأنت الذي أخذتها وأنا الذي أعطيتها فحصل لك عند أخذها وصفان، وهما كونك ظلوماً كفاراً، ولي وصفان عند إعطائها وهما كوني غفوراً رحيماً، والمقصود كأنه يقول: إن كنت ظلوماً فأنا غفور وإن كنت كفاراً فأنا رحيم أعلم عجزك وتقصيرك فلا أقابل تقصيرك، إلا بالتوقير ولا أجازي جزاءك إلا بالوفاء، ونسأل الله حسن والعاقبة والرحمة. ولما بين الله تعالى بالدلائل المتقدّمة لأن لا معبود إلا الله سبحانه وتعالى وأنه لا تجوز عبادة غير الله البتة، حكي عن إبراهيم عليه السلام مبالغة في إنكاره عبادة الأوثان بقوله تعالى:
﴿وإذ﴾، أي: واذكر لهم مذكراً بأيام الله خبر إبراهيم إذ ﴿قال إبراهيم رب﴾، أي: المحسن إليّ بإجابة دعائي ﴿اجعل هذا البلد﴾، أي: مكة ﴿آمناً﴾، أي: ذا أمن، وقد أجاب الله تعالى دعاءه، فجعله حرماً لا يسفك فيه دم إنسان، ولا يظلم فيه أحد ولا يصاد صيده ولا يختلى خلاه. فإن قيل: ، أي: فرق بين قوله: ﴿اجعل هذا بلداً آمناً﴾ (البقرة، ١٢٦)
وبين قوله: ﴿اجعل هذا البلد آمناً﴾ (إبراهيم، ٣٥)
بأنّ المسؤول في الأوّل أن يجعله من جملة البلاد التي يأمن أهلها ولا يخافون، وفي الثاني: أن يزيل عنها الصفة التي كانت حاصلة لها، وهي الخوف ويجعل لها تلك الصفة، وهي الأمن كأنه قال: هو بلد مخوف فاجعله آمناً.
فإن قيل: كيف أجاب الله تعالى دعاءه مع أنّ جماعة من الجبابرة قد أغاروا عليها وأخافوا أهلها؟ أجيب: بجوابين: أحدهما: أنّ إبراهيم عليه السلام لما فرغ من بناء الكعبة دعا بهذا الدعاء، والمراد منه جعل مكة آمنة من الخراب، وهذا موجود بحمد الله تعالى فلم يقدر أحد على إخراب مكة. فإن قيل: يرد على هذا ما ورد عنه ﷺ أنه قال: «يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة» ؟ أجيب: بأنّ قوله تعالى: ﴿اجعل هذا البلد﴾ (إبراهيم، ٣٥)
يعني إلى قرب يوم القيامة وخراب الدنيا فهو عام مخصوص بقصة ذي السويقتين، فلا تعارض بين النصين، والجواب الثاني: أنّ المراد جعل أهلها آمنين كقوله تعالى: ﴿واسأل القرية﴾ (يوسف: ٨٢)، أي: أهلها وهذا الجواب عليه أكثر المفسرين، وعلى هذا فقد اختص أهل مكة بزيادة الأمن في بلدهم كما أخبر الله تعالى بقوله: ﴿ويتخطف الناس من حولهم﴾ (العنكبوت، ٦٧)
وأهل مكة آمنون من ذلك حتى أنّ
وجميع الرواسي التي تعرفونها تكون من تحت تثبتها عن ﴿أن تميد﴾ أي: تتحرك ﴿بكم﴾ كما هو شأن ما على ظهر الماء ﴿وبث﴾ أي: فرّق ﴿فيها من كل دابة﴾ وقوله تعالى:
﴿وأنزلنا﴾ أي: بما لنا من القوّة ﴿من السما ماء﴾ فيه التفات عن الغيبة، ولما تسبب عن ذلك تدبير الأقوات وكان من آثار الحكمة التابعة للعلم دل عليه بقوله تعالى: ﴿فأنبتنا﴾ أي: بما لنا من العلوّ في الحكمة ﴿فيها﴾ أي: الأرض بخلط الماء بترابها ﴿من كل زوج﴾ أي: صنف من النبات متشابه ﴿كريم﴾ بما له من البهجة والنضرة الجالبة للسرور، وفي هذا دليل على عزته التي هي كمال القدرة، وحكمته التي هل كمال العلم مهدبه قاعدة التوحيد وقرّرها بقوله تعالى:
﴿هذا﴾ أي: الذي تشاهدونه كله ﴿خلق الله﴾ أي: الذي له جميع الكمال فلا كفء له، فإن ادعيتم ذلك ﴿فأروني ماذا خلق الذين من دونه﴾ أي: غيره، بكتهم بأنّ هذه الأشياء العظيمة مما خلقه تعالى وأنشأه، فأروني ما خلقته آلهتكم حتى استوجبوا عندكم العبادة.
تنبيه: ما استفهام إنكار مبتدأ و (ذا) بمعنى الذي بصلته خبره، وأروني معلق عن العمل، وما بعده سدّ مسدّ المفعولين، ثم أضرب عن تبكيتهم بقوله تعالى: ﴿بل﴾ منبهاً على أنّ الجواب ليس لهم خلق هكذا كان الأصل ولكنه قال تعالى ﴿الظالمون﴾ أي: العريقون في الظلم تعميماً وتنبيهاً على الوصف الذي أوجب لهم كونهم ﴿في ضلال﴾ عظيم جدّاً محيط بهم ﴿مبين﴾ أي: في غاية الوضوح وهو كونهم يضعون الأشياء في غير مواضعها لأنهم في مثل الظلام لا نور لهم لانحجاب شمس الأنوار عنهم بجبل الهوى فلا حكمة لهم، ثم إنه تعالى لما نفاها عنهم أثبتها لبعض أوليائه بقوله تعالى:
﴿ولقد آتينا﴾ بما لنا من العظمة والحكمة ﴿لقمان﴾ وهو عبد من عبيدنا المطيعين لنا ﴿الحكمة﴾ وهو العلم المؤيد بالعمل أو العمل المحكم بالعلم، قال ابن قتيبة: لا يقال لشخص حكيم حتى يجتمع له الحكمة في القول والفعل.
قال: ولا يسمى المتكلم بالحكمة حكيماً حتى يكون عاملاً بها، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هي العقل والفهم والفطنة، واختلف في نسبه وفي سبب حكمته فقيل: هو لقمان بن باعورا ابن أخت أيوب عليه السلام أو ابن خالته، وقيل: كان من أولاد آزر وعاش ألف سنة وأدرك داود عليه السلام وأخذ عنه العلم وكان يفتي قبل مبعث داود عليه السلام فلما بعث قطع الفتوى فقيل: له فقال ألا أكتفي إذا كفيت، وقيل كان قاضياً في بني إسرائيل وأكثر الأقاويل أنه كان حكيماً ولم يكن نبياً.
أخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه أنه سئل أكان لقمان نبياً قال: لا لم يوح إليه وكان رجلاً حكيماً، وعن ابن عباس: لقمان لم يكن نبياً ولا ملكاً ولكن كان راعياً أسود ورزقه الله تعالى العتق ورضي قوله ووصيته فقص أمره في القرآن لتتمسكوا بوصيته، وقال ابن المسيب: كان أسود من سودان مصر خياطاً، وقال مجاهد: كان عبداً أسود غليظ الشفتين مشقق القدمين، وقيل كان نجاراً، وقيل كان راعياً، وقيل كان يحتطب لمولاه كل يوم حزمة حطب، وقال عكرمة والشعبي: كان نبياً، وقيل خير بين النبوّة والحكمة، فاختار الحكمة، وعنه أنه قال لرجل ينظر إليه إن كنت تراني أسود فقلبي أبيض، وعن عكرمة قال: كان لقمان أهون مملوك على سيده وأوّل ما رؤي من حكمته أنه بينما هو
بوادي محسر أن يقول هذا الكلام الذي قاله عمر رضى الله تعالى عنه.
ولما ذكر تعالى السرر وبين عظمتها ذكر غايتها فقال سبحانه: ﴿متكئين عليها﴾ أي: السرر على الجنب أو غيره كحال من يكون على كرسي فيوضع تحته شيء آخر للإتكاء عليه ﴿متقابلين﴾ فلا ينظر بعضهم إلى قفا بعض، وقال مجاهد وغيره: هذا في المؤمن وزوجته وأهله أي: يتكؤون متقابلين، قال الكلبي طول كل سرير ثلث مئة ذراع، فإذا أراد العبد أن يجلس عليها تواضعت فإذا جلس عليها ارتفعت وقيل: إنهم صاروا أرواحاً نورانية صافية ليس لهم أدبار ولا ظهور.
تنبيه: ﴿متكئين عليها متقابلين﴾ حالان من الضمير في على سرر، ويجوز أن تكون حالاً متداخلة فيكون متقابلين حالاً من ضمير متكئين، ثم بين تعالى أنهم في غاية الراحة بقوله تعالى:
﴿يطوف عليهم﴾ أي: لكفاية كل ما يحتاجون إليه ﴿ولدان﴾ أي: على أحسن صورة وزي وهيئة ﴿مخلدون﴾ قد حكم الله تعالى ببقائهم على ما هم عليه من الهيئة على شكل الأولاد قال الحسن والكلبي: لا يهرمون ولا يتغيرون، ومنه قول امرئ القيس:

*وهل ينعمن إلا سعيد مخلد قليل الهموم ما يبيت بأوجال*
وقال سعيد بن جبير: مخلدون مقرّطون، يقال للقرط: الخلد، والقرط ما يجعل في الأذنين من الحلق؛ وقيل: مقرطقون أي ممنطقون من المناطق والمنطقة ما يجعل في الوسط؛ وأكثر المفسرين أنهم على سن واحد أنشأهم الله تعالى لأهل الجنة، يطوفون عليهم نشؤاً من غير ولادة فيها لأنّ الجنة لا ولادة فيها؛ وقال عليّ بن أبي طالب والحسن البصري رضى الله عنهم: الولدان ههنا ولدان المسلمين الذي يموتون صغاراً ولا حسنة لهم ولا سيئة؛ وقال سلمان الفارسي: أطفال المشركين هم خدم أهل الجنة؛ قال الحسن: لم تكن لهم حسنات يجازون بها ولا سيآت يعاقبون عليها فوضعوا هذا الموضع. والمقصود أن أهل الجنة على أتم السرور والنعمة وقوله تعالى: ﴿بأكواب﴾ متعلق بيطوفون، والأكواب جمع كوب وهي كيزان مستديرة الأفواه بلا عرى ولا خراطيم، لا يعوق الشارب منهاعائق عن شرب من أي موضع. أراد منها، فلا يحتاج أن يحول الإناء عن الحالة التي تناوله بها ليشرب، وقوله تعالى: ﴿وأباريق﴾ جمع إبريق، وهي أوان لها عرى وخراطيم فيها من أنواع المشارب ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، سمى بذلك لبريق لونه من صفائه ﴿وكأس﴾ أي: إناء شراب الخمر ﴿من معين﴾ أي: خمر صافية صفاء الماء ليس يتكلف عصرها جارية من منبع لا ينقطع أبداً.
فإن قيل: كيف جمع الأكواب والأباريق وأفرد الكأس؟ أجيب: أنّ ذلك على عادة أهل الشرب فإنهم يعدون الخمر في أوان كثيرة ويشربون بكأس واحد، وفيها مباينتهم أهل الدنيا من حيث أنهم يطوفون بالأكواب والأباريق ولا تثقل عليهم بخلاف أهل الدنيا ﴿لا يصدّعون عنها﴾ أي: بسببها قال الزمخشري وحقيقته لا يصدر صداعهم عنها، والصداع: هو الداء المعروف الذي يلحق الإنسان في رأسه، والخمر تؤثر فيه؛ قال علقمة بن عبدة في وصف الخمر:
*تشفى الصداع ولا يؤذيك صالتها ولا يخالطها في الرأس تدويم*
قال أبو حيان: هذه صفة خمر الجنة كذا قال لي الشيخ أبو جعفر بن الزبير؛ والمعنى: لا تتصدّع رؤوسهم من شربها فهي لذة بلا أذى بخلاف خمر الدنيا؛ وقيل: لا يتفرقون عنها ﴿ولا ينزفون﴾ أي: تذهب


الصفحة التالية
Icon