تعالى: ﴿ورضوان من الله أكبر﴾ (التوبة، ٧٢) وأوسطها الجنة ونعيمها ﴿وا بصير﴾ أي: عالم ﴿بالعباد﴾ أي: بأعمالهم فيجازي كلاً منهم بعمله أو بأحوال الذين اتقوا فلذلك أعدّ لهم جنات وقوله تعالى:
﴿س٣ش١٦/ش٢٢ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآءَامَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِا؟سْحَارِ * شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ؟ ؟ اله إِs هُوَ وَالْمَلَا؟؟ـ؟ِكَةُ وَأُوْلُوا؟ الْعِلْمِ قَآ؟ـ؟ِمَ؟ابِالْقِسْطِ؟ ؟ اله إِs هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ ا؟سْلَامُ؟ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا؟ الْكِتَابَ إِs مِن؟ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيَ؟ابَيْنَهُمْ؟ وَمَن يَكْفُرْ بِ؟َايَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * فَإِنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ؟ وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُوا؟ الْكِتَابَ وَا؟مِّيِّ؟نَءَأَسْلَمْتُمْ؟ فَإِنْ أَسْلَمُوا؟ فَقَدِ اهْتَدَوا؟؟ وَّإِن تَوَلَّوْا؟ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ؟ وَاللَّهُ بَصِيرُ؟ بِالْعِبَادِ * إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِ؟َايَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّ؟نَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُو؟لَا؟؟ـ؟ِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَا؟خِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ﴾
﴿الذين﴾ نعت للذين اتقوا أو للعباد أو بدل من الذين قبله ﴿يقولون﴾ يا ﴿ربنا إننا آمنا﴾ أي: صدّقنا ﴿فاغفر لنا ذنوبنا﴾ أي: استرها علينا وتجاوز عنا ﴿وقنا عذاب النار﴾.
تنبيه: في ترتيب سؤال المغفرة وما عطف عليها وسيلة على مجرّد الإيمان دليل على أنّ مجرّد الإيمان كاف في استحقاق المغفرة والإستعداد لأسبابها وأسباب ما عطف عليها وقوله تعالى: ﴿الصابرين﴾ أي: على الطاعة وعن المعصية وعلى البأساء والضرّاء نعت ﴿والصادقين﴾ أي: في إيمانهم وأقوالهم قال قتادة: هم قوم صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وألسنتهم فصدقوا في السرّ والعلانية ﴿والقانتين﴾ أي: المطيعين لله ﴿والمنفقين﴾ أي: المتصدّقين ﴿والمستغفرين بالأسحار﴾ أي: أواخر الليل كأن يقولوا: اللهمّ اغفر لنا خصت بالذكر؛ لأنها وقت الغفلة ولذة النوم، وفي هذا كما قال البيضاوي: حصر لمقامات السالك على أحسن الترتيب أي: الذكرى فإنّ معاملته مع الله إمّا توسل وإمّا طلب، والتوسل إمّا بالنفس وهو منعها عن الرذائل وحبسها على الفضائل والصبر يشملهما، وإمّا بالبدن وهو إمّا قولي وهو الصدق وإمّا فعلي وهو القنوت الذي هو ملازمة الطاعة، وإمّا بالمال وهو الإنفاق في سبيل الخير وإمّا الطلب فالاستغفار؛ لأنّ المغفرة أعظم المطالب بل الجامع لها انتهى.
وتوسيط الواو بين الصابرين وما بعده للدلالة على استقلال كل واحد منها وكما لهم فيها أو لتغاير الموصوفين بالصفات. وتخصيص الأسحار؛ لأن الدعاء فيها أقرب من الدعاء في غيرها إلى الإجابة؛ لأنّ العبادة حينئذٍ أشق والنفس أصفى والعقل أجمع لمعاني الألفاظ التي ينطق بها لا سيما للمتهجد قيل: إنهم كانوا يصلون إلى السحر ثم يستغفرون ويدعون، وعن الحسن كانوا يصلون في أوّل الليل حتى إذا كان السحر أخذوا في الدعاء والإستغفار فذا نهارهم وهذا ليلهم. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله ﷺ قال: «ينزل الله إلى سماء الدنيا ـ أي: أمره ـ كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: أنا الملك أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له من ذا الذي يسألني فأعطيه من ذا الذي يستغفرني فأغفر له».
وحكي عن الحسن أن لقمان قال لابنه: يا بنيّ لا تكن أعجز من هذا الديك يصوّت في الأسحار وأنت نائم على فراشك. وعن زيد بن أسلم أنه قال: هم الذين يصلون الصبح في جماعة. وعبر بالسحر لقربه من الصبح.
﴿شهد الله﴾ أي: بين لخلقه بالدلائل وإنزال الآيات ﴿أنه لا إله﴾ أي: لا معبود بحق في الوجود ﴿إلا هو﴾ قال الكلبيّ: «قدم حبران من أحبار الشام على النبيّ ﷺ فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه: ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبيّ ﷺ الذي يخرج في آخر الزمان، فلما دخلا عليه عرفاه بالصفة فقالا له: أنت محمد؟ قال: نعم قالا له: وأنت أحمد؟ قال: أنا محمد وأحمد قالا: فإنا نسألك عن شيء، فإن أخبرتنا به آمنا بك وصدّقناك فقال لهما: سلا قالا: أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله عز وجل، فأنزل الله هذه الآية فأسلم الرجلان». وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: خلق الله الأرواح قبل الأجساد بأربعة آلاف سنة، وخلق الله الأرزاق قبل الأرواح بأربعة آلاف سنة،
على ذلك أيضاً في سورة الأعراف. ﴿فإنك رجيم﴾ أي: مطرود من الخير والكرامة فإن من يطرد يرجم بالحجر أو شيطان رجيم بالشهب وهو وعيد يتضمن الجواب عن شبهته.
﴿وإن عليك اللعنة﴾ أي: هذا الطرد والإبعاد ﴿إلى يوم الدين﴾ قال ابن عباس: يريد يوم الجزاء حيث يجازى العباد بأعمالهم مثل قوله تعالى: ﴿مالك يوم الدين﴾ (الفاتحة، ٣)
. فإن قيل: كلمة إلى تفيد حصر انتهاء الغاية فهذا يفيد أنّ اللعنة لا تحصل إلا إلى يوم الدين وعند القيامة يزول اللعن؟ أجيب: بجوابين الأوّل: أنّ المراد التأبيد وذكر القيامة أبعد غاية ذكرها الناس في كلامهم كقوله تعالى: ﴿ما دامت السموات والأرض﴾ (هود، ١٠٧)
في التأبيد والثاني: أنه مذموم مدعو عليه باللعن في السموات والأرض إلى يوم القيامة من غير أن يعذب فإذا جاء اليوم عذب عذاباً يقترن اللعن معه فيصير اللعن حينئذٍ كالزائل بسبب أنّ شدّة العذاب تذهل عنه. ولما جعله رجيماً ملعوناً إلى يوم القيامة فكأنَّ قائلاً يقول فماذا قال؟ فقيل:
﴿قال رب﴾ فاعترف بالعبودية والإحسان إليه ﴿فأنظرني﴾ أي: أخرني والإنظار تأخير المحتاج للنظر في أمره والفاء متعلقة بمحذوف دلّ عليه ﴿فاخرج منها فإنك رجيم﴾. ﴿إلى يوم يبعثون﴾ أي: الناس أراد أن يجد فسحة في الإغواء ونجاة من الموت إذ لا موت بعد وقت البعث. ﴿قال﴾ الله تعالى مجيباً للأوّل دون الثاني بقوله تعالى: ﴿فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم﴾ وهو المسمى فيه أجلك عند الله وهو النفخة الأولى وما يتبعها من موت كل مخلوق لم يكن في دار الخلد. فإن قيل: كيف أجابه الله تعالى إلى ذلك الإمهال؟ أجيب: بأنه إنما أجابه إلى ذلك زيادة في بلائه وشقائه وعذابه لا لإكرامه ورفع مرتبته. ولما أجيب لذلك كأنه قيل فماذا قال فقيل:
﴿قال رب﴾ أي: أيها الموجد والمدبر لي وقوله: ﴿بما أغويتني﴾ أي: خيبتني من رحمتك الباء فيه للقسم وما مصدرية وجواب القسم ﴿لأزينن﴾ أي: أقسم بإغوائك إياي لأزينن ﴿لهم في الأرض﴾ حب الدنيا ومعاصيك كقوله: ﴿فبعزتك لأغوينهم أجمعين﴾ (ص، ٨٢)
إلا أنه في ذلك الموضع أقسم بعزة الله وهي من صفات الذات وهنا أقسم بإغواء الله، وهي من صفات الأفعال، والفقهاء قالوا: القسم بصفات الذات صحيح، واختلفوا في القسم بصفات الأفعال والراجح فيها الصحة. ﴿ولأغوينهم﴾ أي: بالإضلال عن الطريق الحميدة بإلقاء الوسوسة في قلوبهم ولأحملنهم. ﴿أجمعين﴾ على الغواية وقوله:
﴿إلا عبادك منهم المخلصين﴾ قرأه ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بكسر اللام، أي: الذين أخلصوا دينك عن الشوائب وقرأه الباقون بفتحها، أي: الذين أخلصهم الله تعالى بالهداية وإنما استثنى إبليس المخلصين لأنه علم أنّ كيده لا يعمل فيهم ولا يقبلون منه. وقال الرازي: والذي حمله على هذا الاستثناء أنه لا يصير كاذباً في دعواه فلما احترز إبليس عن الكذب علمنا أنّ الكذب في غاية الخساسة. تنبيه: قال رويم: الإخلاص في العمل هو أن لا يريد صاحبه عنه عوضاً من الدارين ولا عوضاً من الملكين. وقال الجنيد: الإخلاص سر بين العبد وبين الله تعالى لا يعلمه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده ولا هوى فيميله. وذكر القشيري وغيره عن النبيّ ﷺ أنه قال: «سألت جبريل عليه السلام عن الإخلاص ما هو؟ قال: سألت رب العزة عن الإخلاص ما هو؟ قال: سرّ استودعته قلب
في أوائل أربع من هذه السور فزادت على الطواسين بواحدة إشارة إلى أنّ هذه المعاني في غاية الثبات لا انقطاع لها، ولما كان المقصود في التي قبلها إثبات الحكمة لمنزل هذا الكتاب الذي فيه تبيان كل شيء أخبر سبحانه وتعالى عن هذا بأنه من عنده بقوله تعالى:
﴿تنزيل الكتاب﴾ أي: الجامع لكل هدى على ما ترون من التدريج من السماء ﴿لا ريب﴾ أي: لا شك ﴿فيه﴾ لأنّ نافي الشك هو الإعجاز معه لا ينفك عنه فكل ما تقولونه مما يخالف ذلك تعنت أو جهل من غير ريب حال كونه ﴿من ربّ العالمين﴾ أي: الخالق لهم المدبر لمصالحهم فلا يجوز في عقل ولا يخطر في بال ولا يقع في وهم ولا يتصوّر في خيال أنه يصل شيء من كتابه تعالى إلى هذا النبي الكريم بغير أمره، ولا يتخيل أنّ شيئاً منه ليس بقول الله تعالى ثم لا يتخيل أنه من كلامه ولكنه أخذه من بعض أهل الكتاب؛ لأنّ هذا لا يفعل مع بعض الملوك فكيف بملك الملوك فكيف بمن هو عالم بالسرّ والجهر، محيطٌ علمه بالخفي والجلي، تنبيه: في تنزيل الكتاب إعرابات مختلفة، وأظهرها ما جرى عليه الجلال المحلي من أنّ تنزيل الكتاب مبتدأ، ولا ريب فيه خبر أوّل ومن رب العالمين خبر ثان. وقوله تعالى:
﴿أم يقولون﴾ أي: مع ذلك الذي لا يمتري فيه عاقل ﴿افتراه﴾ أي: تعمد كذبه، أم فيه هي المنقطعة والإضراب للانتقال لا للإبطال، وقيل الميم صلة، أي: أتقولون افتراه. وقوله تعالى ﴿بل هو الحق﴾ أي: الثابت ثباتاً لا يضاهيه ثبات شيء من الكتب قبله إضراب ثان، ولو قيل بأنه إضراب إبطاليّ لنفس افتراه وحده لكان صواباً، وعلى هذا يقال: كل ما في القرآن إضراب فهو إضراب انتقالي، إلا هذا فإنه يجوز أن يكون إبطالياً لأنه إبطال لقولهم أي: ليس هو كما قالوا مفترى بل هو الحق. وفي كلام الزمخشري ما يرشد إلى هذا فإنه قال: والضمير في فيه راجع إلى مضمون الجملة كأنه قيل لا ريب في ذلك أي: في كونه من رب العالمين. قال ابن عادل: ويشهد لوجاهته أم يقولون افتراه لأنّ قولهم هذا مفترى إنكار لأن يكون من رب العالمين وكذلك قوله بل هو الحق من ربك وما فيه من تقرير أنه من عند الله، وهذا أسلوب صحيح محكم انتهى. وقوله تعالى ﴿من ربك﴾ أي: المحسن إليك بإنزاله وإحكامه حال من الحق، والعامل فيه محذوف على القاعدة وهو العامل أيضاً في
﴿لتنذر﴾ ويجوز أن يكون العامل في لتنذر غيره، أي: أنزله لتنذر ﴿قوماً﴾ أي: ذوي قوّة وجلد ومنعة ﴿ما أتاهم من نذير﴾ أي: رسول في هذه الأزمان القريبة لقول ابن عباس أنّ المراد الفترة، ويؤيده إثبات الجار في قوله تعالى ﴿من قبلك﴾ ولما ذكر تعالى علة الإنزال أتبعه علة الإنذار بقوله تعالى: ﴿لعلهم يهتدون﴾ أي: ليكون حالهم في مجاري العادات حال من تُرجى هدايته إلى كمال الشريعة، وأمّا التوحيد فلا عذر لأحد فيه مع إقامة الله تعالى من حجة العقل ومع ما أتقنه الرسل عليهم الصلاة والسلام آدم فمن بعده من أوضح النقل بآثار دعواتهم وبقايا دلالاتهم، ولذلك قال ﷺ لمن سأله عن أبيه: «أبي وأبوك في النار» وغير ذلك من الأدلة الدالة على أنّ من مات قبل دعوته على الشرك فهو في النار، لكن ذكر بعض العلماء أنّ من خصائصه ﷺ أنّ الله تعالى أحيا له أبويه وأسلما على يديه ولا بدع في ذلك، فإنّ الله تعالى أكرمه بأشياء لا تحصر، ولما ذكر
الحكيم والباطن العليم؛ وقال السدي: هو الأول ببره إذ عرفك توحيده والآخر بجوده إذ عرفك التوبة على ما جنيت والظاهر بتوفيقه إذ وفقك للسجود له والباطن بستره إذ عصيته فستر عليك؛ وقال الجنيد: هو الأول بشرح القلوب والآخر بغفران الذنوب والظاهر بكشف الكروب والباطن بعلم الغيوب؛ وسأل عمر كعباً عن هذه الآية فقال: معناها أن علمه بالأوّل كعلمه بالآخر وعلمه بالظاهر كعلمه بالباطن ﴿وهو بكل شيء عليم﴾ أي: لكون الأشياء عنده على حد سواء والبطون والظهور إنما هو بالنسبة إلى الخلق، وأما هو سبحانه وتعالى فلا باطن من الخلق عنده بل هم في غاية الظهور لديه لأنه الذي أوجدهم.
فإن قيل: ما معنى هذه الواوات؟ أجيب: بأنّ الواو الأولى: معناها الدلالة على أنه الجامع بين الصفتين الأولية والآخرية؛ والثالثة: أنه الجامع بين الظهور والخفاء، وأمّا الوسطى: فعلى أنه الجامع بين الصفتين الأوليين ومجموع الصفتين الآخريين فهو المستمر الوجود في جميع الأوقات الماضية والحاضرة والآتية وهي في جميعها ظاهر وباطن جامع للظهور بالأدلة والخفاء فلا يدرك بالحواس؛ قال الزمخشري: وفي هذا حجة على من جوز إدراكه في الآخرة بالحاسة وهذا على رأيه الفاسد وهو على رأي المعتزلة المنكرين رؤية الله تعالى في الآخرة؛
وأما أهل السنة فإنهم يثبتون الرؤية للأحاديث الدالة على ذلك من غير تشبيه ولا تكييف تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً؛ وعن سهل قال: كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام أن يضطجع على شقه الأيمن ثم يقول: اللهمّ ربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم ربنا ورب كل شيء، فالق الحبّ والنوى ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شرّ كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهمّ أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من فضلك. وكان يروى ذلك عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم
﴿هو﴾ أي: وحده ﴿الذي خلق السموات﴾ وجمعها لعلم العرب بتعددها ﴿والأرض﴾ أي: الجنس الشامل للكل وأفردها لعدم توصلهم إلى العلم بتعدّدها وقال تعالى: ﴿في ستة أيام﴾ أي: من أيام الدنيا أولها الأحد وآخرها الجمعة سناً للتأني في الأمور وتقدير للأيام التي أوترها سابعها الذي خلق فيه الإنسان الذي دل يوم خلقه باسمه الجمعة على أنه المقصود بالذات وبأنه السابع نهاية المخلوقات وقوله تعالى: ﴿ثم استوى على العرش﴾ أي: السرير كناية عن انفراده بالتدبير وإحاطة قدرته وعلمه، كما يقال في ملوكنا جلس فلان على سرير الملك بمعنى: أنه انفرد بالتدبير لا يكون هناك سرير فضلاً عن جلوس وأتى بأداة التراخي تنبيهاً على عظمته ﴿يعلم ما يلج﴾ أي: يدخل دخولاً يغيب فيه ﴿في الأرض﴾ أي: من النبات وغيره من أجزاء الأموات وغيرها وإن كان ذلك في غاية البعد فإنّ الأماكن كلها بالنسبة إليه تعالى على حد سواء في القرب والبعد ﴿وما يخرج منها﴾ كذلك.
تنبيه: في التعبير بالمضارع دلالة على ما أودع في الخافقين من القوى فصارا بحيث يتجدد منهما ذلك بخلقه تجدّد مستمرّاً إلى حين خرابهما ﴿وما ينزل من السماء﴾ من الوحي والأمطار والحرّ والبرد وغيرها من الأعيان والمنافع التي يوجدها سبحانه وتعالى