#خطأ
روي أنّ أبا سفيان نادى عند انصرافه من أحد يا محمد موعدنا موسم بدر القابل إن شئت، فقال ﷺ «إن شاء الله» فلما كان القابل خرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مرّ الظهران فألقى الله الرعب في قلبه فبدا له أن يرجع فلقي نعيم بن مسعود الأشجعي وقد قدم معتمراً فقال: يا نعيم إني واعدت محمداً أن نلتقي بموسم بدر وإنّ هذا عام جدب ولا يصلحنا إلا عام نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن وقد بدا لي أن لا أخرج إليه، وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج أنا فيزيدهم ذلك جراءة، ولأن يكون الخلف من قبلهم أحبّ إلي من أن يكون من قبلي، فالحق بالمدينة فثبطهم وأعلمهم أني في جمع كثير ولا طاقة لهم بنا ولك عندي عشرة من الإبل أضعها في يد سهل بن عمرو ويضمنها، فقال له نعيم: يا أبا يزيد أتضمن لي ذلك وأنطلق إلى محمد وأثبطه؟ قال: نعم، فخرج نعيم حتى أتى المدينة، فوجد الناس يجهزون لميعاد أبي سفيان فقال: أين تريدون؟ فقالوا: واعدنا أبو سفيان بموسم بدر الصغرى أن نقتتل بها، فقال: بئس الرأي رأيتم أتوكم في دياركم وقراركم، فلم يفلت منكم أحد إلا شريداً فتريدون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم عند الموسم والله لا يفلت منكم أحد، فكره بعض أصحاب رسول الله ﷺ الخروج، فقال رسول الله ﷺ «والذي نفسي بيده لأخرجنّ ولو وحدي ولو لم يخرج معي أحد» فخرج في سبعين راكباً وهم يقولون: حسبنا الله ونعم الوكيل ولم يلتفتوا إلى ذلك القول كما قال تعالى: ﴿فزادهم﴾ ذلك القول ﴿إيماناً﴾ أي: تصديقاً بالله ويقيناً ﴿وقالوا حسبنا الله﴾ أي: كافينا أمرهم ﴿ونعم الوكيل﴾ أي: المفوّض إليه الأمر هو حتى وافوا بدراً الصغرى فجعلوا يلقون المشركين ويسألونهم عن قريش فيقولون: قد جمعوا لكم يريدون أن يرهبوا المسلمين فيقول المسلمون: حسبنا الله ونعم الوكيل وهذه هي الكلمة التي قالها إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه حين ألقي في النار، حتى بلغوا بدراً
وكانت موضع سوق لهم في الجاهلية يجتمعون إليها في كل عام ثمانية أيام، فأقام رسول الله ﷺ ببدر ينتظر أبا سفيان ثمان ليال ولم يلق رسول الله ﷺ وأصحابه أحداً من المشركين ووافوا السوق وكان معهم تجارات فباعوها واشتروا

*ينازعني ردائي عبد عمرو رويدك يا أخا عمرو بن بكر
*لي الشطر الذي ملكت يميني ودونك فاعتجر منه بشطر
استعار الدراء للسيف ثم قال: فاعتجر نظراً إلى المستعار ولو نظر إلى المستعار منه لقال تعالى في الآية: وكساهم لباس الجوع والخوف ولقال كثير: ضافى الرداء إذا تبسم ضاحكاً وهذا نهاية ما يقال في الاستعارة، وقال ابن عطية: لما باشرهم ذلك صار كاللباس وهذا كقول الأعشى:
*إذا ما الضجيع ثنى جيدها تثنت عليه فكانت لباسا
ومثله قوله تعالى: ﴿هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ﴾ (البقرة، ١٨٧)
ومثله قول الشاعر:
*وقد لبست بعد الزبير مجاشع لباس التي حاضت ولم تغسل الدما
كأنَّ العار لما باشرهم ولصق بهم كأنهم نسوة وقوله تعالى: ﴿فأذاقها﴾ نظير قوله تعالى: ﴿ذق إنك أنت العزيز الكريم﴾ (الدخان، ٤٩)
ونظير قول الشاعر: دون ما جنيت فاحس وذق.
وقوله تعالى: ﴿بما كانوا يصنعون﴾ يجوز أن تكون ما مصدرية، أي: بسبب صنعهم أو بمعنى الذي والعائد محذوف، أي: بسبب الذي كانوا يصنعونه والواو في يصنعون عائد على أهل البلد، وقيل: قرية نظير قوله تعالى: ﴿أو هم قائلون﴾ (الأعراف، ٤)
بعد قوله تعالى: ﴿وكم من قرية أهلكناها﴾ (الأعراف، ٤)
. ولما ذكر الله تعالى المثل ذكر الممثل له فقال تعالى:
﴿ولقد جاءهم﴾ أي: أهل هذه القرية ﴿رسول منهم﴾ من نسبهم يعرفونه بأصله ونسبه وهو محمد ﷺ ﴿فكذبوه فأخذهم العذاب﴾ قال ابن عباس: يعني الجوع الذي كان بمكة، وقيل: القتل الذي كان يوم بدر ﴿وهم ظالمون﴾ أي: في حال تلبسهم بالظلم كقوله تعالى: ﴿الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم﴾ (النساء، ٩٧)
نعوذ بالله من مفاجأة النقمة والموت على الغفلة. وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم بإظهار دال قد عند الجيم والباقون بالادغام ثم قال تعالى:
﴿فكلوا﴾ أي: أيها المؤمنون ﴿مما رزقكم الله﴾ قال ابن عباس: يريد من الغنائم. وقال الكلبي: إنّ رؤوساء مكة كلموا رسول الله ﷺ حين جهدوا وقالوا: عاديت الرجال فما بال النساء والصبيان، وكانت الميرة قد قطعت عنهم فأذن في الحمل إليهم فحمل الطعام إليهم فقال الله تعالى: ﴿كلوا مما رزقكم الله﴾. وقال الرازي: والقول ما قال ابن عباس يدل عليه قوله تعالى بعد هذه الآية ﴿إنما حرم عليكم الميتة﴾ يعني أنكم لما آمنتم وتركتم الكفر فكلوا مما رزقكم الله. ﴿حلالاً طيباً﴾ وهو الغنيمة واتركوا الخبائث وهي الميتة والدم. ولما أمرهم تعالى بأكل الحلال أمرهم بشكر النعمة بقوله تعالى: ﴿واشكروا نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون﴾ أي: تطيعون. تنبيه: رسمت نعمت بالتاء وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالهاء والباقون بالتاء والكسائي يقف بالإمالة.
وتقدّم تفسير قوله تعالى: ﴿إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير الله به فمن اضطرّ غير باغ ولا عاد فإنّ الله غفور رحيم﴾ في سورة البقرة فلا إفادة في تفسير ذلك. وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة فمن اضطر في الوصل بكسر النون والباقون بالضمّ. تنبيه: حصر المحرمات في هذه الأشياء الأربعة مذكور أيضاً في سورة الأنعام عند قوله تعالى: ﴿قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرّماً على طاعم يطعمه﴾ (الأنعام، ١٤٥)
الآية. وفي سورة المائدة في قوله تعالى: {أحلت
أن يدرك ثم يأكلون ولا يخرجون، وكان رسول الله ﷺ يتأذى بهم فنزلت الآية ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي﴾ الآية.
وروى أبو يعلى الموصلي عن أنس قال: «بعثتني أم سليم برطب إلى رسول الله ﷺ فوضعته بين يديه فأصاب منه ثم أخذ بيدي فخرجنا، وكان حديث عهد بعرس زينب بنت جحش قال: فمر بنساء من نسائه وعندهن رجال يتحدثون فهنينه وهناه الناس فقالوا: الحمد لله أقر بعينك يا رسول الله فمضى حتى أتى عائشة فإذا عندها رجال قال: فكره ذلك، وكان إذا كره الشيء عرف في وجهه قال: فأتيت أم سليم فأخبرتها فقال أبو طلحة: لئن كان كما قال ابنك ليحدثن أمر قال: فلما كان من العشي خرج رسول الله ﷺ فصعد المنبر ثم تلا هذه الآية ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا﴾ الآية.
وروى البخاري وغيره عنه قال: «كان النبي ﷺ عروساً بزينب فقالت لي أم سليم: لو أهديت للنبي ﷺ هدية فقلت لها: افعلي فعمدت إلى تمر وأقط وسمن فاتخذت حيسة في برمة وأرسلت بها معي إليه فقال لي: ضعها ثم أمرني فقال: ادع لي رجالاً سماهم، وادع لي من لقيت ففعلت الذي أمرني فرجعت فإذا البيت غاص بأهله»
وفي رواية الترمذي أن الراوي قال: قلت لأنس: كم كانوا قال: زهاء ثلثمائة فرأيت النبي ﷺ وضع يده على تلك الحيسة وتكلم بما شاء الله تعالى، ثم يدعو عشرة عشرة يأكلون منه ويقول لهم: اذكروا اسم الله تعالى وليأكل كل رجل مما يليه حتى تصدّعوا كلهم عنها، قال الترمذي: فقال لي: يا أنس ارفع فرفعت فما أدري حين وضعت كانت أكثر أو حين رفعت فخرج معي من خرج وبقي قوم يتحدثون فنزلت.
ولما كان البيت يطلق على المرأة لملازمتها له عادة أعاد الضمير عليه مراداً به النساء استخداماً فقال تعالى: ﴿وإذا سألتموهن﴾ أي: الأزواج ﴿متاعاً﴾ أي: شيئاً من آلات البيت ﴿فاسألوهن﴾ أي: ذلك المتاع كائنين وكائنات ﴿من وراء حجاب﴾ أي: ستر يستركم عنهن ويسترهن عنكم، وقرأ ابن كثير والكسائي بفتح السين ولا همزة بعدها والباقون بسكون السين وهمزة مفتوحة بعدها ﴿ذلكم﴾ أي: الأمر العالي الرتبة ﴿أطهر لقلوبكم وقلوبهن﴾ أي: من وسواس الشيطان والريب لأن العين وزيرة القلب فإذا لم تر العين لم يشته القلب، فأما إذا رأت العين فقد يشتهي القلب وقد لا يشتهي، فالقلب عند عدم الرؤية أطهر وعدم الفتنة حينئذ أظهر. روى ابن شهاب عن عروة عن عائشة: «أن أزواج النبي ﷺ كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع وهو صعيد أفيح فكان عمر رضي الله تعالى عنه يقول للنبي ﷺ احجب نساءك فلم يكن رسول الله ﷺ يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي ﷺ ليلة من الليالي عشاء وكانت امرأة طويلة فناداها عمر ألا قد عرفناك يا سودة حرصاً على أن ينزل الحجاب، فأنزل الله عز وجل الحجاب»، وعن أنس قال: قال عمر: وافقت ربي في ثلاثة قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فأنزل الله تعالى ﴿واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى﴾ (البقرة: ١٢٥)
وقلت: يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله تعالى آية الحجاب، قال: وبلغني ما آذين
يسألونه أن يردّها، وقيل: هربت من زوجها عمرو بن العاص ومعها أخواها عمارة والوليد، فردّ رسول الله ﷺ أخويها وحبسها فقالوا للنبيّ ﷺ ردّها علينا للشرط، فقال ﷺ كان الشرط في الرجال لا في النساء فأنزل الله تعالى هذه الآية». وعن عروة قال كان مما اشترط سهل بن عمرو على النبيّ ﷺ في الحديبية أن لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا، وخليت بيننا وبينه، فكره المؤمنون ذلك وأبى سهل إلا ذلك، فكاتبه النبيّ ﷺ على ذلك، فردّ يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهل بن عمرو ولم يأته أحد من الرجال إلا ردّه في تلك المدّة، وإن كان مسلماً حتى أنزل الله تعالى في المؤمنات ما أنزل، وهذا يومي إلى
أنّ الشرط في ردّ النساء نسخ بذلك، وهذا مذهب من يرى نسخ السنة بالقرآن. وقال بعض العلماء: كله منسوخ بالقرآن، وقالت طائفة: لم يشترط ردّهنّ في العقد لفظاً، وإنما أطلق العقد في ردّ من أسلم فكان ظاهر العموم اشتماله عليهنّ مع الرجال، فبين الله تعالى خروجهنّ عن عمومه وفرق بينهنّ وبين الرجال لأمرين: أحدهما: أنهنّ ذوات فروج فحرمن عليهنّ، الثاني: أنهنّ أرق قلوباً وأسرع تقلباً منهم، فأما المقيمة منهنّ على شركها فمردودة عليهم ﴿لا هنّ﴾ أي: المؤمنات ﴿حلّ﴾ أي: موضع حلّ ثابت ﴿لهم﴾ أي: الكفار باستمتاع، ولا غيره. وقوله تعالى: ﴿ولا هم﴾ أي: رجال الكفار ﴿يحلون لهنّ﴾ أي: المؤمنات تأكيد للأوّل لتلازمهما. وقال البيضاوي: والتكرير للمطابقة والمبالغة، والأولى لحصول الفرقة، والثانية للمنع عن الاستئناف.
وقيل: أراد استمرار الحكم بينهم فيما يستقبل كما هو في الحال ما داموا مشركين، وهنّ مؤمنات. والمعنى: لم يحل الله تعالى مؤمنة لكافر في حال من الأحوال، وهذا أدل دليل على أنّ الذي أوجب فرقة المسلمة من زوجها الكافر إسلامها لا هجرتها. وقال أبو حنيفة: الذي فرق بينهما هو اختلاف الدارين، والصحيح كما قال ابن عادل: الأول لأنّ الله تعالى بين العلة، وهو عدم الحل بالإسلام لا باختلاف الدار.
ولما نهى عن الردّ وعلله أمر بما قدم من الأقساط إليهم فقال تعالى: ﴿وآتوهم﴾ أي: أعطوا الأزواج ﴿ما أنفقوا﴾ أي: عليهنّ من المهور، فإنّ المهر في نظير أصل العشرة ودوامها، وقد فوتتها المهاجرة فلا يجمع عليه خسارتان الزوجية والمالية وأما الكسوة والنفقة فأنهما لما يتجدّد من الزمان.
تنبيه: أمر الله تعالى برد ما أنفقوا إلى الأزواج، وإنّ المخاطب بهذا الإمام. وهل يجب ذلك أو يندب؟ ظاهرة الآية الوجوب، ولكن رجح الندب وعليه الشافعي، لأنّ البضع ليس بمال فلا يشمله الأمان كما لا يشمل زوجية، والآية وإن كان ظاهرها الوجوب محتملة للندب الصادق بعدم الوجوب الموافق للأصل وقال مقاتل: يردّ المهر للذي يتزوّجها من المسلمين، وليس لزوجها الكافر شيء. وقال قتادة: الحكم في ردّ الصداق إنما هو في نساء أهل الذمّة، فأما من لا عهد بينه وبين المسلمين فلا يرد عليهم الصداق. قال القرطبي: والأمر كما قال ﴿ولا جناح﴾ أي: حرج وميل ﴿عليكم﴾ يا أيها المشرفون بالخطاب ﴿أن تنكحوهنّ﴾ أي: تجدّدوا زواجكم بهنّ بعد الاستبراء، وإن كان أزواجهنّ من الكفار لم يطلقوهنّ لزوال العلق عنهنّ لأنّ الإسلام فرق بينهم، قال


الصفحة التالية
Icon