فيروز الديلمي على فراشه قال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: وأتى الخبر رسول الله ﷺ من السماء الليلة التي قتل فيها فقال رسول الله ﷺ «قتل الأسود البارحة قتله رجل مبارك» قيل: ومن هو؟ قال: «فيروز» فَسُرّ المسلمون فبشر النبيّ ﷺ أصحابه بهلاك الأسود وقبض رسول الله ﷺ من الغد وأتى خبر مقتل العنسي المدينة في آخر شهر ربيع الأول وكان ذلك أوّل فتح جاء إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
والفرقة الثانية: بنو حنيفة باليمامة ورئيسهم مسليمة الكذاب وكان تنبأ في حياة رسول الله ﷺ في آخر سنة عشر وزعم أنه اشترك مع رسول الله ﷺ في النبوّة وكتب إلى رسول الله ﷺ «من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله: أمّا بعد فإنّ الأرض نصفها لي ونصفها لك، وبعثه إليه مع رجلين من أصحابه فقال لهما رسول الله ﷺ «لولا أنّ الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما» ثم أجاب من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب: «أمّا بعد فإنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين» ومرض رسول الله ﷺ وتوفي فبعث أبو بكر رضي الله تعالى عنه خالد بن الوليد في جيش كبير حتى أهلكه الله تعالى على يد وحشيّ غلام مطعم بن عدي الذي قتل حمزة بن عبد المطلب عمّ رسول الله ﷺ بعد حرب شديد وكان وحشيّ يقول: قتلت خير الناس في الجاهلية وشر الناس في الإسلام أراد في جاهليتي وإسلامي.
الفرقة الثالثة: بنو أسد ورئيسهم طليحة بن خويلد وكان طليحة أحد من ارتد وادّعى النبوّة في عهد رسول الله ﷺ وأوّل من قوتل بعد وفاة النبيّ ﷺ من أهل الردّة فبعث أبو بكر رضي الله تعالى عنه خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه إليه فهزمهم خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه بعد قتال شديد وأفلت طليحة فمرّ على وجهه هارباً نحو الشأم، ثم إنه أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه وسبع في عهد أبي بكر رضي الله تعالى عنه، الأولى: فزارة قوم عيينة بن حصن، والثانية: غطفان قوم قرّة بن سلمة، والثالثة: بنو سليم قوم الفجاءة بن عبد ياليل، والرابعة: بنو يربوع قوم مالك بن نويرة، والخامسة: بعض تميم قوم سجاج بنت المنذر المتنبئة التي زوّجت نفسها لمسيلمة الكذاب وفيها يقول أبو العلاء المعري:

*أمت سجاج ووالاها مسليمة كذابة في بني الدنيا وكذاب*
والسادسة: كندة قوم الأشعث بن قيس والسابعة بنو بكر بن وائل بالبحرين قوم الحطم بن زيد وكفى الله تعالى أمرهم على يد أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وفرقة واحدة في عهد عمر رضي الله تعالى عنه وهي غسان قوم جبلة بن الأيهم تنصر وسار إلى الشأم، والجمهور أنه مات على ردّته وذكرت طائفة أنه عاد إلى الإسلام. وقرأ نافع وابن عامر يرتدد بدالين الأولى مكسورة مخففة والثانية ساكنة والباقون بدال مفتوحة مشدّدة.
واختلف في القوم في قوله تعالى: ﴿فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه﴾ قال قتادة بن غنم الأزدي: لما نزلت الآية قال رسول الله ﷺ «قوم هذا» وأشار إلى أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه وكانوا من اليمن، وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله ﷺ قال: «الإيمان يمان والحكمة يمانية» وقال الكلبي: هم أحياء من اليمن ألفان من النخع وخمسة آلاف من كندة وبجيلة وثلاثة آلاف من
فقد تضاعفت درجات المعرفة فلا جرم قلنا بمضاعفة الثواب فإذا قال مع ذلك: لا إله إلا الله فقد أقر بأن الذي تنزه عن كل ما لا ينبغي وهو المبتدئ لكل ما ينبغي ليس في الوجود موجود هكذا إلا هو الواحد فقد صارت مراتب المعرفة ثلاثة فلا جرم صارت درجات الثواب ثلاثة فإذا قال العبد: والله أكبر فمعنى أنه أكبر أنه أعظم من أن يصل العقل إلى كنه كبريائه وجلاله فقد صارت مراتب المعرفة أربعة فلا جرم صارت درجات الثواب أربعة. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ «لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس». وعن أبي سعيد الخدري أنه قال: قال رسول الله ﷺ «استكثروا من الباقيات الصالحات، قيل: وما هنّ يا رسول الله قال: التكبير والتهليل والتسبيح والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله»، ثانيها أنها الصلاة الخمس، ثالثها أنها الطيب من القول، رابعها وهو أعمها، وأولاها أنها أعمال الخيرات التي تبقى ثمراتها أبد الآباد فيندرج في ذلك الصلاة وأعمال الحج وصيام رمضان وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله والكلام الطيب وغير ذلك من كل عمل وقول دعاك لمحبة الله تعالى ومعرفته وخدمته، وأما ما دعاك من قول أو عمل إلى الاشتغال بأحوال الخلق فهو خارج عن ذلك لأن كل ما سوى الحق فهو فانٍ لذاته فكان الاشتغال به والانفاق عليه باطلاً وسعياً ضائعاً، وأما الحق لذاته فهو الباقي الذي لا يقبل الزوال، لا جرم كان الاشتغال بمحبته ومعرفته وطاعته وخدمته هو الذي يبقى بقاء لا يزول ولما كان أهم ما إلي من حصل البقاء ليس لكفايته بل لمن يحفظها له لوقت حاجته قال تعالى: ﴿عند ربك﴾ أي: الجليل المواهب العالم بالعواقب وخير من المال والبنين في العاجل والآجل ﴿ثواباً وخير﴾ من ذلك كله ﴿أملاً﴾ أي: من جملة ما يرجوه فيها من الثواب
ويرجوه فيها من الأمل لأن ثوابها إلى بقاء آملها كل ساعة في تحقق وعلوّ وارتقاء وآمل المال والبنين يخان أحوج ما يكون إليهما، وعن قتادة كل ما أريد به وجه الله تعالى خير ثواباً أي: ما يتعلق بها من الثواب وما يتعلق بها من الأمل لأن صاحبها يأمل في الدنيا ثواب الله ونصيبه في الآخرة. ولما بيّن سبحانه وتعالى خساسة الدنيا وشرف الآخرة أردفه بأحوال يوم القيامة وذكر منها أنواعاً النوع الأوّل قوله تعالى:
﴿ويوم﴾ أي: واذكر لهم يوم ﴿نسير﴾ بأيسر أمر ﴿الجبال﴾ عن وجه الأرض بعواصف القدرة كما نسير نبات الأرض بعد أن صار هشيماً بالرياح كما قال تعالى: ﴿وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّمرّ السحاب﴾ (النمل، ٨٨)
تنبيه: ليس في لفظ الآية ما يدل إلى أين تسير، قال الرازي: ويحتمل أن يقال: إن الله يسيرها إلى الموضع الذي يريده ولم يبين ذلك لخلقه، والحق أنّ المراد أنّ الله تعالى يسيرها إلى العدم لقوله تعالى: ﴿ويسئلونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً فيذرها قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً﴾ (طه، ١٠٥، ١٠٦)
ولقوله: ﴿وبست الجبال بساً فكانت هباء منبثاً﴾ (الواقعة، ٥، ٦)
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بضم التاء الفوقية وفتح الياء التحتية بعد السين على فعل ما لم يسم فاعله ورفع الجبال بإسناد تسير إليها كما في قوله تعالى: ﴿وإذا الجبال سيرت﴾ (التكوير، ٣)
والباقون بالنون المضمومة وكسر الياء التحتية بعد السين بإسناد فعل التسيير إليه تعالى نفسه ونصب الجبال لكونه مفعول نسير والمعنى نحن نفعل بها ذلك
تراخي الشرب عن الأكل فعمل على ذلك المنوال، وأما ملء البطن فيعقب الأكل فلذلك عطف على ما قبله بالفاء قال الزجاج: الشراب اسم عام في كل ما خلط بغيره والشوب الخلط والمزج ومنه شاب اللبن يشوبه أي: خلطه ومزجه.
﴿ثم إن مرجعهم﴾ أي: مصيرهم ﴿لإلى الجحيم﴾ قال مقاتل: أي: بعد أكل الزقوم وشرب الحميم وهذا يدل على أنهم عند شرب الحميم لم يكونوا في الجحيم وذلك بأن يكون الحميم في موضع خارج عن الجحيم فهم يردون الحميم لأجل الشرب كما ترد الإبل الماء ويدل عليه قوله تعالى ﴿يطوفون بينها وبين حميم آن﴾ (الرحمن: ٤٤)
وقوله تعالى:
﴿إنهم ألفوا﴾ أي: وجدوا ﴿آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون﴾ تعليل لاستحقاقهم تلك الشدائد قال الفراء: الإهراع الإسراع يقال: هرع وأهرع إذا استحث والمعنى: أنهم يتبعون آباءهم في سرعة كأنهم يزعجون إلى اتباع آبائهم، وفيه إشعار بأنهم بادروا إلى ذلك من غير توقف على نظر وبحث، ثم إنه تعالى ذكر لرسوله ﷺ ما يسليه في كفرهم وتكذيبهم يقوله سبحانه:
﴿ولقد ضل قبلهم﴾ أي: قبل قومك ﴿أكثر الأولين﴾ أي: من الأمم الماضية.
﴿ولقد أرسلنا فيهم منذرين﴾ أي: أنبياء أنذروهم من العواقب فبين تعالى أن إرساله الرسل قد تقدم والتكذيب لهم قد سلف فوجب أن يكون له ﷺ أسوة بهم حتى يصبر كما صبروا ويستمر على الدعاء إلى الله تعالى وإن تمردوا فليس عليه إلا البلاغ، وقرأ قالون وابن كثير وعاصم بإظهار الدال، والباقون بالإدغام ثم قال تعالى:
﴿فانظر كيف كان عاقبة المنذرين﴾ أي: الكافرين كان عاقبتهم العذاب وهذا خطاب وإن كان ظاهره مع النبي ﷺ إلا أن المقصود منه خطاب الكفار؛ لأنهم سمعوا بالأخبار ما جرى على قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم من أنواع العذاب فإن لم يعلموا ذلك فلا أقل من ظن وخوفه يحتمل أن يكون زاجراً لهم عن كفرهم وقوله تعالى:
﴿إلا عباد الله المخلصين﴾ استثناء من المنذرين استثناء منقطع؛ لأنه وعيد وهم لا يدخلون في هذا الوعيد، وقيل: استثناء من قوله تعالى ﴿ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين﴾ والمراد بالمخلصين: الموحدون نجوا من العذاب وتقدمت القراءة في المخلصين، ثم شرع تعالى في تفصيل القصص بعد إجمالها بقوله تعالى:
﴿ولقد نادانا نوح﴾ أي: نادى ربه أن ينجيه مع من نجي من الغرق بقوله: رب إني مغلوب فانتصر فأجاب الله تعالى دعاءه وقوله تعالى ﴿فلنعم المجيبون﴾ جواب قسم مقدر أي: فوالله ومثله: لعمري لنعم السيدان وجدتما، والمخصوص بالمدح محذوف أي: نحن أجبنا دعاءه وأهلكنا قومه.
﴿ونجيناه وأهله من الكرب العظيم﴾ أي: من الغرق وأذى قومه وهذه الإجابة كانت من النعم العظيمة وذلك من وجوه أولها: أنه تعالى عبر عن ذاته بصيغة الجمع فقال: ﴿ولقد نادانا نوح﴾ فالقادر العظيم لا يليق به إلا الإحسان العظيم.
وثانيها: أنه تعالى أعاد صيغة الجمع فقال تعالى ﴿فلنعم المجيبون﴾ وفي ذلك أيضاً ما يدل على تعظيم تلك النعمة لا سيما وقد وصف الله تعالى تلك الإجابة بأنها نعمت الإجابة.
وثالثها: أن الفاء في قوله تعالى ﴿فلنعم المجيبون﴾ تدل على أن حصول تلك الإجابة مرتب على ذلك النداء وهذا يدل على أن النداء بالإخلاص سبب لحصول الإجابة وقوله تعالى:
﴿وجعلنا ذريته هم الباقين﴾ يفيد الحصر، وذلك يدل على أن كل من سواه وسوى ذريته قد فنوا
فقتله فنزلت.
وقال الربيع: هو أبو جهل، وقيل: إنه قول جماعة من كفار قريش، وقيل: هو نوح عليه السلام سأل العذاب على الكافرين، وقيل: هو نبينا ﷺ استعجل بعذاب الكافرين ويدل عليه قوله تعالى بعد ذلك ﴿فاصبر صبراً جميلاً﴾ أي: لا تستعجل فإنه قريب، وقرأ نافع وابن عامر بغير همز بعد السين، والباقون بهمزة مفتوحة بعد السين.
تنبيه: ما تقدم من الوجهين في كون سأل ضمن أو أن الباء بمعنى عن هو على القراءة بالهمز، وأما على عدمه ففيه وجهان: أحدهما: أنه لغة في السؤال يقال: سأل يسأل كخاف يخاف وعين الكلمة واو، قال الزمخشري: وهي من لغة قريش.
والثاني: أنه من السيل ومعناه اندفع عليهم واد بعذاب، وقيل: سال واد من أودية جهنم وقوله تعالى: ﴿للكافرين﴾ فيه أوجه: أحدها: أنه يتعلق بسأل مضمناً معنى دعا كما مر، أي: دعا لهم بعذاب واقع. الثاني: أنه يتعلق بواقع واللام للعلة، أي: نازل لأجلهم. الثالث: أن يتعلق بمحذوف صفة ثانية للعذاب، أي: كائن للكافرين. الرابع: أن يكون جواباً للسائل فيكون خبر مبتدأ مضمر، أي: هو للكافرين. الخامس: أن تكون اللام بمعنى على، أي: واقع على الكافرين.
﴿ليس له﴾ أي: بوجه من الوجوه ولا حيلة من الحيل ﴿دافع﴾ يردّه.
وقوله تعالى: ﴿من الله﴾ أي: الملك الأعلى الذي لا كفء له يجوز أن يتعلق بدافع بمعنى ليس له دافع من جهته إذا جاء وقته لتعلق إرادته به وأن يتعلق بواقع، وبه بدأ الزمخشري، أي: واقع من عنده ﴿ذي المعارج﴾ أي: المصاعد وهي الدرجات التي يصعد فيها الكلم الطيب والعمل الصالح أو يترقى فيها المؤمنون في سلوكهم أو في دار ثوابهم، أو مراتب الملائكة أو السموات، قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي: ذي السموات، سماها معارج الملائكة لأن الملائكة يعرجون فيها فوصف نفسه بذلك، أو ذي العلوّ والدرجات الفواضل والنعم، لأنها تصل إلى الناس على مراتب مختلفة، قاله ابن عباس وقتادة رضي الله عنهم، فالمعارج مراتب إنعامه على الخلق. وقيل: ذي العظمة والعلا، وقيل: المعارج الغرف، أي: إنه ذو الغرف، أي: جعل لأوليائه الجنة غرفاً.
وقرأ: ﴿تعرج الملائكة﴾ الكسائي بالياء التحتية، والباقون بالتاء الفوقية، وأدغم جيم المعارج في تاء تعرج هنا السوسي، واستضعف بعضهم ذلك من حيث إن مخرج الجيم بعيد من مخرج التاء. وأجيب عن ذلك بأن الإدغام يكون لمجرد الصفات وإن لم يتقاربا في المخرج والجيم تشارك التاء في الاستفال والانفتاح والشدة والجملة من تعرج مستأنفة.
وقوله تعالى: ﴿والروح﴾ من عطف الخاص على العام إن أريد بالروح جبريل عليه السلام كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما لقوله تعالى: ﴿نزل به الروح الأمين﴾ (الشعراء: ١٩٣)
أو ملك آخر من جنسهم عظيم الخلقة: وقال أبو صالح: إنه خلق من خلق الله كهيئة الناس وليس بالناس. وقال قبيصة بن ذؤيب: إنه روح الميت حين يقبض، ﴿إليه﴾ أي: مهبط أمره من السماء. وقيل: هو كقول إبراهيم عليه السلام: ﴿إني ذاهب إلى ربي﴾ (الصافات: ٩٩)، أي: إلى الموضع الذي أمرني به، وقيل: إلى عرشه، وعلق بالعروج أو بواقع قوله تعالى: ﴿في يوم﴾ أي: من أيامكم، وبين عظمه بقوله تعالى: ﴿كان﴾ أي: كوناً هو في غاية الثبات ﴿مقداره﴾ أي: لو كان الصاعد فيه آدمياً ﴿خمسين ألف سنة﴾ أي: من سني الدنيا وذلك أن تصعد من منتهى أمر الله تعالى من أسفل الأرض السابعة، روي عن مجاهد رضي الله عنه أن مقدار هذا خمسين ألف سنة.


الصفحة التالية
Icon