وفتحه باب التوبة على كل عاص وإن عظمت معاصيه وبلغت مبالغ سيآت اليهود والنصارى وإنّ الإسلام يجبّ ما قبله وإن جلّ، وإن الكتابي لا يدخل الجنة ما لم يسلم.
﴿ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل﴾ أي: أقاموا أحكامهما وحدودهما وما فيهما من نعت محمد ﷺ ﴿وما أنزل إليهم﴾ أي: من الكتب المنزلة ﴿من ربهم﴾ لأنهم مكلّفون بالإيمان بجميعها فكأنها أنزلت إليهم وقيل: هو القرآن وقوله تعالى: ﴿لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم﴾ عبارة عن التوسعة أي: لوسّع عليهم أرزاقهم بأن يفيض عليهم من بركات السماء والأرض أو أن تكثر الأشجار المثمرة والزروع المغلّة أو أن يرزقهم الجنان اليانعة الثمار فيجنونها من رأس الثمر والشجر ويلتقطون ما تساقط على الأرض من تحت أرجلهم بين سبحانه وتعالى بذلك أن ما كف عنهم بشؤم كفرهم ومعاصيهم لا بقصور الفيض ولو أنهم آمنوا وأقاموا ما أمروا به لوسع عليهم وجعل لهم خير الدارين ﴿منهم أمّة﴾ أي: جماعة ﴿مقتصدة﴾ أي: عادلة غير غالية ولا مقصّرة وهم عبد الله بن سلام وأصحابه وثمانية وأربعون من النصارى آمنوا بالنبيّ ﷺ وقيل: متوسطة في عداوته ﴿وكثير منهم ساء﴾ أي: بئس ﴿ما﴾ أي: شيئاً ﴿يعملون﴾ فيه معنى التعجب كأنه قيل: وكثير منهم ما أسوأ عملهم وقيل: هو كعب بن الأشرف وأصحابه والروم.
روى مسروق عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: من حدثك أنّ محمداً كتم شيئاً مما أنزل الله فقد كذب وهو يقول:
﴿يأيها الرسول بلغ﴾ جميع ﴿ما أنزل إليك من ربك﴾ أي: لا تكتم شيئاً منه خوفاً أن تنال بمكروه ﴿وإن لم تفعل﴾ أي: وإن لم تبلغ جميع ما أنزل إليك ﴿فما بلغت رسالته﴾ أي: لأنّ كتمان بعضها ككتمان كلها أي: ولأنّ بعضها ليس بالأولى بالأداء من بعض فإذا لم تؤدّ بعضها فكأنك أغفلت أداءها جميعاً، كما أن من لم يؤمن ببعضها كان كمن لم يؤمن بكلها، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إن كتمت آية لم تبلغ رسالتي واختلف في سبب نزول هذه الآية فقيل: نزلت في عتب اليهود وذلك أنّ النبيّ ﷺ دعاهم إلى الإسلام فقالوا: أسلمنا قبلك وجعلوا يستهزؤون به ويقولون: تريد أن نتخذك حناناً كما اتخذت النصارى عيسى حناناً فلما رأى النبيّ ﷺ ذلك نزلت هذه الآية وقيل: نزلت في الجهاد وذلك أنّ المنافقين كانوا يكرهونه فكان يمسك أحياناً من حثهم على الجهاد وقيل: لما نزلت آية التخيير وهي قوله تعالى: ﴿يأيها النبيّ قل لأزواجك﴾ (الأحزاب، ٢٨) فلم يعرضها عليهنّ خوفاً من اختيارهنّ الدنيا فنزلت وقيل غير ذلك وقرأ نافع وابن عامر وشعبة بألف بعد اللام وكسر التاء والباقون بغير ألف ونصب التاء ﴿وا يعصمك من الناس﴾ أي: يحفظك ويمنعك منهم.
فإن قيل: أليس قد شج وجهه وكسرت رباعيته ﷺ وأوذي بضروب من الأذى؟ أجيب: بأنّ معناه يعصمك من القتل فلا يصلون إلى قتلك، وفي هذا تنبيه على أنه يجب عليه أن يحتمل كل ما دون النفس من أنواع البلايا فما أشدّ تكليف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقيل: نزلت هذه الآية بعدما شج رأسه لأنّ سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن.
وروى إسحاق بن راهويه في مسنده عن النبيّ ﷺ أنه قال: «بعثني الله برسالاته فضقت بها ذرعاً فأوحى الله إليّ إن لم تبلغ رسالاتي عذبتك وضمن لي العصمة فقويت» وعن أنس
في الأزل وأنتم غافلون عن أحوال الأزل فإنه تعالى قال: ما أشهدتهم إلى آخره وإذا جهلتم هذه الحالة فكيف يمكنكم أن تحكموا لأنفسكم بالرفعة والعلوّ والكمال ولغيركم بالذل والدناءة بل ربما صار الأمر في الدنيا والآخرة على العكس مما حكمتم به. ولما قرّر تعالى أن القول الذي قالوه في الافتخار على الفقراء اقتدوا فيه بإبليس عاد بعده إلى التهويل بأهوال القيامة فقال:
﴿ويوم﴾ التقدير واذكر لهم يا محمد يوم عطفاً على قوله وإذ قلنا للملائكة ﴿يقول﴾ أي: الله يوم القيامة لهؤلاء الكفار تهكماً بهم وقرأ حمزة بالنون والباقون بالياء ﴿نادوا شركائي﴾ أي: ما عبد من دوني وقيل: إبليس وذرّيته ثم بيّن تعالى أن الإضافة ليست على حقيقتها بل توبيخ لهم فقال تعالى: ﴿الذين زعمتم﴾ أنهم شركائي أو شفعاؤكم ليمنعوكم من عذابي ﴿فدعوهم﴾ تمادياً في الجهل والضلال ﴿فلم يستجيبوا لهم﴾ أي: فلم يغيثوهم استهانة بهم واشتغالاً بأنفسهم فضلاً عن أن يعينوهم ﴿وجعلنا بينهم﴾ أي: المشركين والشركاء ﴿موبقاً﴾ أي: وادياً من أودية جهنم يهلكون فيه جميعاً، وهو من وبق بالفتح هلك، نقل ابن كثير عن عبد الله بن عمر أنه قال: هو واد عميق فرق به يوم القيامة بين أهل الهدى وأهل الضلال، وقال الحسن البصري: عداوة أي: يؤل بهم إلى الهلاك والتلف كقول عمر رضي الله تعالى عنه: لا يكون حبك كلفاً ولا بغضك تلفاً أي: لا يكن حبك يجر إلى الكلف ولا بغضك يجر إلى التلف، وقيل: الموبق البرزخ البعيد أي: وجعلنا بين هؤلاء الكفار وبين الملائكة وعيسى برزخاً بعيداً يهلك فيه الساري لفرط بعده لأنهم في قعر جهم وهم في أعلى الجنان.
ولما قرر سبحانه وتعالى ما لهم مع شركائهم ذكر حالهم في استمرار جهلهم فقال تعالى:
﴿ورأى المجرمون﴾ أي: العريقون في الإجرام ﴿النار﴾ من مكان بعيد ﴿فظنوا﴾ ظناً ﴿أنهم مواقعوها﴾ أي: مخالطوها في تلك الساعة من غير تأخير ومهلة لشدّة ما يسمعون من تغيظها وزفيرها كما قال تعالى: ﴿إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيراً﴾ (الفرقان، ١٢)
فإن مخالطة الشيء لغيره إذا كانت قوية تامّة يقال لها: مواقعة ﴿ولم﴾ أي: والحال أنهم لم ﴿يجدوا عنها مصرفاً﴾ أي: مكاناً ينصرفون إليه لأن الملائكة تسوقهم إليها والموضع موضع التحقق ولكن ظنهم جرياً على عادتهم في الجهل كما قالوا: اتخذوا الله ولداً بغير علم وما أظن أن تبيد هذه أبداً وما أظن الساعة قائمة إن نظنّ إلا ظناً وما نحن بمستيقنين مع قيام الأدلة التي لا شك فيها، وقيل: الظن هنا بمعنى العلم واليقين.
ولما افتخر هؤلاء الكفار على فقراء المسلمين بكثرة أموالهم وأتباعهم وبيّن الله تعالى الوجوه الكثيرة أن قولهم فاسد وشبههم باطلة ذكر فيه المثلين المتقدّمين ثم قال بعده:
﴿ولقد صرّفنا﴾ وأظهر نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم الدال وأدغمها الباقون ﴿في هذا القرآن﴾ أي: القيم الذي لا عوج فيه مع جمعه للمعاني ﴿للناس﴾ أي: المزلزلين والثابتين وقوله: ﴿من كل مثل﴾ صفة لمحذوف أي: مثلاً من جنس كل مثل ليتعظوا أو أنّا حولنا الكلام وصرّفناه في كل وجه من وجوه المعاني وألبسناه من العبارات الرائقة والأساليب المتناسقة ما صار بها في غرابته كالمثل يقبله كل من سمعه وتضرب به آباط الأبل في سائر البلاد بين العباد فتسر به قلوبهم وتلهج به ألسنتهم فلم يقبلوه ولم يتركوا المجادلة الباطلة كما قال تعالى: ﴿وكان الإنسان أكثر شيء﴾ يتأتى منه الجدال
زمزم نذر إن سهل الله أمرها ليذبحن أحد ولده فخرج السهم على عبد الله، فمنعه أخواله وقالوا له: افد ابنك بمائة من الإبل ولذلك سنت الإبل مائة والذبيح الثاني إسماعيل، ونقل الأصمعي أنه قال: سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح فقال: يا أصمعي أين عقلك ومتى كان إسحاق بمكة؟ وإنما كان إسماعيل بمكة وهو الذي بنى البيت مع أبيه والمنحر بمكة.
وقد وصف الله تعالى إسماعيل عليه السلام بالصبر دون إسحاق عليه السلام في قوله تعالى ﴿وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين﴾ (الأنبياء: ٨٥)
وهو صبره على الذبح ووصفه أيضاً بصدق الوعد فقال: ﴿إنه كان صادق الوعد﴾ (مريم: ٥٤)
لأنه وعد أباه من نفسه الصبر على الذبح فقال ﴿ستجدني إن شاء الله من الصابرين﴾ (الصافات: ١٠٢)
وقال تعالى: ﴿فبشرناها بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب﴾ (هود: ٧١)
فكيف تقع البشارة بإسحاق وأنه سيولد له يعقوب ثم يؤمر بذبح إسحاق وهو صغير قبل أن يولد له؟ هذا يناقض البشارة المتقدمة.
وقال الإمام أحمد بن حنبل: الصحيح أن الذبيح إسماعيل عليه السلام وعليه جمهور العلماء من الخلف والسلف قال ابن عباس: وزعمت اليهود أنه اسحق عليه السلام وكذبت اليهود وما روي أنه ﷺ «سئل أي النسب أشرف؟ فقال: يوسف صديق الله بن يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله» فالصحيح أنه قال: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم والزوائد من الراوي، وما روي أن يعقوب كتب إلى يوسف مثل ذلك لم يثبت وقال محمد بن إسحاق: كان إبراهيم عليه السلام إذا زار هاجر وإسماعيل حمل على البراق فيغدو من الشام فيقيل بمكة ويروح من مكة فيبيت عند أهله بالشام حتى بلغ إسماعيل معه السعي أمر في المنام أن يذبحه قال مقاتل: رأى ذلك إبراهيم عليه السلام ثلاث ليال متتابعات فلما تيقن ذلك قال لابنه ﴿فانظر ماذا ترى﴾ من الرأي: فشاوره ليأنس بالذبح وينقاد للأمر به قال ابن اسحق وغيره ولما أمر إبراهيم بذلك قال لابنه: يا بني خذ الحبل والمدية وانطلق إلى هذا الشعب نحتطب فلما خلا إبراهيم بابنه في الشعب شعب ثبير أخبره بما أمر. ﴿قال يا أبت افعل ما تؤمر﴾ أي: ما أمرت به ﴿ستجدني إن شاء الله من الصابرين﴾ أي: على ذلك، وقرأ ﴿يا بني﴾ حفص بفتح الياء، والباقون بالكسر، وقرأ ﴿إني أرى﴾ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء، والباقون بالسكون، وقرأ ﴿ماذا ترى﴾ حمزة والكسائي بضم التاء وكسر الراء، والباقون بفتحهما والحكمة في مشاورته في هذا الأمر ليظهر له صبره في طاعة الله تعالى فيكون فيه قرة عين لإبراهيم حيث يراه قد بلغ في الحكمة إلى هذا الحد العظيم والصبر على أشد المكاره إلى هذه الدرجة العالية ويحصل للابن الثواب العظيم في الآخرة والثناء الحسن في الدنيا.
وقرأ يا أبت ابن عامر في الوصل بفتح التاء، وكسرها الباقون والتاء عوض عن ياء الإضافة، ووقف عليها بالهاء ابن كثير وابن عامر، ووقف الباقون بالتاء والرسم بالتاء وفتح ياء ستجدني في الوصل نافع، وسكنها الباقون.
﴿فلما أسلما﴾ أي: انقادا وخضعا لأمر الله، وقال قتادة: أسلم إبراهيم ابنه وأسلم الابن نفسه ﴿وتله للجبين﴾ أي: صرعه على شقه فوقع جبينه على الأرض وهو أحد جانبي الجبهة، والجبهة بين الجبينين وشذ جمعه على أجبن، وقياسه في القلة أجبنة كأرغفة وفي الكثرة جبن وجبنان كرغيف ورغف ورغفان، وقيل: إنه لما أراد ذبحه قال: يا أبت اشدد رباطي حتى لا أضطرب فينقص
في الحضيض من الدناءة وغاية البعد عن مواطن الرحمة ﴿هم﴾ أي: بضمائرهم وظواهرهم ﴿العادون﴾ أي: المختصون بالخروج عن الحدّ المأذون فيه. ﴿والذين هم لأماناتهم﴾ أي: من كل ما ائتمنهم الله تعالى عليه من حقه وحق غيره، وقرأ ابن كثير بغير ألف بعد النون على التوحيد، والباقون بالألف على الجمع ﴿وعهدهم﴾ أي: ما كان من الأمانات بربط وتوثيق ﴿راعون﴾ أي: حافظون لها معترفون بها على وجه نافع غير ضار.
﴿والذين هم﴾ أي: بغاية ما يكون من توجه القلوب ﴿بشهادتهم﴾ التي شهدوا بها أو يستشهدون بها بطلب أو غيره، وتقديم المعمول إشارة إلى أنهم في فرط قيامهم بها ومراعاتهم لها كأنهم لا شاغل لهم سواها ﴿قائمون﴾ أي: يتحملونها ويؤدّونها على غاية التمام والحسن أداء من هو متهيىء لها واقف في انتظارها، وقرأ حفص بألف بعد الدال على الجمع اعتباراً بتعدد الأنواع والباقون بغير ألف على التوحيد إذ المراد الجنس. قال الواحديّ: والإفراد أولى لأنه مصدر فيفرد كما تفرد المصادر وإنّ أضيف إلى الجمع كصوت الحمير. قال أكثر المفسرين: يقومون بالشهادة على من كانت عليه من قريب وبعيد، يقومون بها عند الحكام ولا يكتمونها. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: بشهادتهم أنّ الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله.
﴿والذين هم على صلاتهم﴾ أي: من الفرض والنفل ﴿يحافظون﴾ أي: يبالغون في حفظها ويجددونه حتى كأنهم يبادرونها الحفظ ويسابقونها فيه فيحفظونها لتحفظهم ويسابقون غيرهم في حفظها، وتقدم أنّ المداومة غير المحافظة، فدوامهم عليها محافظتهم على أوقاتها وشروطها وأركانها ومستحباتها في ظواهرها وبواطنها من الخشوع والمراقبة وغير ذلك من خلال الإحسان التي إذا فعلوها كانت ناهية لفاعلها ﴿إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر﴾ (العنكبوت: ٤٥)
فتحمل على جميع هذه الأوامر وتبعد عن أضدادها، فالدوام يرجع إلى نفس الصلاة والمحافظة إلى أحوالها ذكره القرطبي.
ولما ذكر تعالى خلالهم أتبعه ما أعطاهم، فقال عز من قائل مستأنفاً أو منتجاً من غير فاء إشارة إلى أن رحمته هي التي أوصلتهم إلى ذلك من غير سبب منهم في الحقيقة: ﴿أولئك﴾ أي: الذين في غاية العلوّ لما لهم من الأوصاف العالية ﴿في جنات﴾ أي: في الدنيا والآخرة، أما في الآخرة فواضح، وأما في الدنيا فلأنهم لما جاهدوا فيه بإتعاب أنفسهم في هذه الأوصاف حتى تخلقوا بها أعطاهم بمباشرتها لذاذات من أنس القرب وحلاوة المناجاة لا يساويها شيء أصلاً، والجنة محل اجتمع فيه جميع الراحات والمستلذات والسرور وانتفى عنه جميع المكروهات والشرور، وضدها النار. وزادهم على ذلك بقوله تعالى: ﴿مكرمون﴾ معبراً باسم المفعول إشارة إلى عموم الإكرام من الخالق والخلق الناطق وغيره، لأنه سبحانه قضى بأن يعلي مقدارهم فيكرمهم بأنواع الكرامات فيتلقاهم بالبشرى حين الموت وفي قبورهم ومن حين قيامهم من قبورهم إلى دخولهم إلى قصورهم هذا حال المؤمنين.
وأما حال الكافرين فقال الله تعالى في حقهم:
﴿فما للذين كفروا﴾ وقف أبو عمرو على الألف بعد الميم والكسائي يقف على الألف وعلى اللام، ووقف الباقون على اللام، وأما الابتداء فالجميع يبتدؤون أوّل الكلمة أي: أيّ شيء من السعادات للذين ستروا مرائي عقولهم عن الإقرار بمضمون هذا


الصفحة التالية
Icon