يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله ويفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاء، انتهى.l
شرح غريب ألفاظه: الفظ: السيء الخلق، والغليظ: الجافي القاسي، والسخاب بالسين والصاد: الكثير الصياح، والاعوجاج: ضدّ الاستقامة والملة العوجاء: الكفر، والقلب الأغلف: الذي لا يصل إليه شيء ينفعه كأنه في غلاف.
وقوله تعالى: ﴿يأمرهم بالمعروف﴾ قال الزجاج: يجوز أن يكون استئنافاً ويجوز أن يكون المعنى: يجدونه مكتوباً عندهم إنه يأمرهم بالمعروف قال الرازي: ومجامع المعروف في قوله عليه الصلاة والسلام «التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله» وذلك لأنّ الموجود إمّا واجب الوجود لذاته وإمّا ممكن لذاته، أما الواجب لذاته فهو الله تعالى ولا معروف أشرف من تعظيمه وإظهار عبوديته وإظهار الخشوع والخضوع على باب عزته والاعتراف بكونه موصوفاً بصفات الكمال مبرأ عن النقائص والآفات منزهاً عن الأضداد والأنداد، وأما الممكن لذاته فإن لم يكن حيواناً فلا سبيل إلى إيصال الخير إليه لأنّ الانتفاع مشروط بالحياة ومع ذلك فإنه يجب النظر إلى كلها بعين التعظيم من حيث إنها مخلوقة لله ومن حيث إنّ كل ذرة من ذرات المخلوقات لما كانت دليلاً ظاهراً وبرهاناً باهراً على توحيده وتنزيهه فإنه يجب النظر إليه بعين الاحترام ومن حيث إنّ لله سبحانه وتعالى في كل ذرة من ذرات المخلوقات أسراراً عجيبة وحكماً خفية فيجب النظر إليها بعين الاحترام، وأما إن كان ذلك المخلوق من جنس الحيوان فإنه يجب الشفقة عليه بأقصى ما يقدر الإنسان عليه ويدخل فيه برّ الوالدين وصلة الأرحام وبث المعروف فثبت أنّ قوله ﷺ «التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله» كلمة جامعة لجميع جهات الأمر بالمعروف ﴿وينهاهم عن المنكر﴾ وهو ضد الأمور المذكورة، وقال عطاء: يأمرهم بالمعروف بخلع الأنداد وبمكارم الأخلاق وبصلة الأرحام وينهاهم عن المنكر أي: عبادة الأوثان وقطع الأرحام ﴿ويحل لهم الطيبات﴾ أي: ما حرم عليهم في شرعهم كالشحوم ﴿ويحرم عليهم الخبائث﴾ كالدم ولحم الخنزير والربا والرشوة ﴿ويضع عنهم إصرهم﴾ أي: ثقلهم الذي كان يحمل عليهم، وقرأ ابن عامر بفتح الهمزة الممدودة والصاد وألف بعد الصاد عى الجمع والباقون بكسر الهمزة وسكون الصاد ولا ألف بعدها على التوحيد ﴿والأغلال التي كانت
عليهم﴾ أي: ويضع الأثقال والشدائد التي كانت عليهم من الدين والشريعة وذلك مثل قتل النفس في التوبة وقطع الأعضاء الخاطئة وقرض النجاسة من البدن والثوب بالمقراض وغير ذلك من الشدائد التي كانت على بني إسرائيل شبهت بالأغلال التي تجمع اليد إلى العنق كما أنّ اليد لا تمتدّ مع وجود الغل فكذلك لا تمتدّ إلى الحرام الذي نهيت عنه وكانت هذه الأثقال في شريعة موسى عليه الصلاة والسلام فلما جاء محمد ﷺ نسخ ذلك كله ويدلّ عليه قوله ﷺ «بعثت بالحنيفية السهلة السمحة» ﴿فالذين آمنوا به﴾ أي: بمحمد ﷺ ﴿وعزروه﴾ أي: وقروه وعظموه وأصل التعزير المنع والنصرة وتعزير النبيّ ﷺ تعظيمه وإجلاله ودفع الأعداء عنه ﴿ونصروه﴾ على أعدائه ﴿واتبعوا النور الذي أنزل معه﴾ أي: القرآن سمي نوراً لأن به يستنير قلب المؤمن فيخرج من ظلمات الشك والجهالة إلى ضياء
الله فقال لها: كم كانت مدّة الرخاء، فقالت: ثمانين سنة، فقال: أستحي من الله أن أدعوه وما بلغت مدّة بلائي مدّة رخائي، ثم تسبب عن الإجابة قوله تعالى: ﴿فكشفنا﴾ أي: بما لنا من العظمة ﴿ما به من ضرّ﴾ بأن أمرناه أن يركض برجله فتنبع له عين من ماء كما قال تعالى: ﴿اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب﴾ (ص، ٤٢)
فركض برجله، فانفجرت له عين ماء فدخل فيها فاغتسل، فأذهب الله تعالى كل ما كان به من البلاء بظاهره، ثم مشى أربعين خطوة، فأمره أن يضرب برجله الأرض مرّة أخرى، ففعل، فنبع عين ماء بارد، فأمره فشرب منها فذهب كل داء كان بباطنه، فصار كأصح ما يكون من الرجال وأجملهم، فأقبلت امرأته تلتمسه في مضجعه، فلم تجده، فقامت كالوالهة، ثم جاءت إليه وهي لا تعرفه، فقالت: يا عبد الله هل لك علم بالرجل المبتلى الذي كان ههنا؟ قال: نعم وما لي لا أعرفه، فتبسم وقال: أنا هو، فعرفته بضحكه، فاعتنقته قال ابن عباس: فوالذي نفس عبد الله بيده ما فارقته من عناقه حتى ردّ لهما كل ما كان لهما كما قال تعالى: ﴿وآتيناه أهله﴾ أي: أولاده الذكور والإناث بأن أحيوا له وكل من الصنفين ثلاث أو سبع ﴿ومثلهم معهم﴾ أي: من زوجته رحمة، وزيد في شبابها هذا ما دل عليه أكثر المفسرين، وقيل: آتاه الله تعالى المثل من نسل ماله وولده الذي رده إليه، أي: فولد له من ولده نوافل، وقال: وهب كان له سبع بنات، وثلاثة بنين، وروى الضحاك عن ابن عباس رد إلى امرأته شبابها، فولدت له ستة وعشرين ذكراً، وقال قوم: آتى الله تعالى أيوب في الدنيا مثل أهله الذين هلكوا، فأمّا الذين هلكوا فإنهم لم يردّوا عليه في الدنيا، وقال عكرمة: قيل لأيوب: إنّ أهلك لك في الآخرة، وإن شئت عجلناهم لك في الدنيا، وإن شئت كانوا لك في الآخرة، وآتيناك مثلهم في الدنيا، فعلى هذا يكون معنى الآية: وآتيناه أهله في الآخرة ومثلهم معهم في الدنيا، فقال: يكونون لي في الآخرة، وأوتي مثلهم في الدنيا، وروي عن أنس يرفعه «كان لأيوب أندران؛ أندر للقمح، وأندر للشعير، فبعث الله تعالى سحابتين، فأفرغت إحداهما على أندر القمح الذهب، وأفرغت الأخرى على أندر الشعير الورق حتى فاض» وروي أن الله تعالى بعث إليه ملكاً فقال: إن ربك يقرئك السلام بصبرك فاخرج إلى أندرك فخرج إليه فأرسل عليه جراداً من ذهب قيل: إنه لما اغتسل
وخرج الدود منه جعل الله تعالى لها أجنحة، فطارت فجعلها الله تعالى جراداً من ذهب، وأمطرت عليه، فطارت واحدة فاتبعها وردّها إلى أندره، فقال له الملك: أما يكفيك ما في أندرك، فقال: هذا بركة من بركات ربي، ولا أشبع من بركته، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ «بينما أيوب يغتسل عرياناً خرَّ عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يحثي في ثوبه فناداه ربه: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى قال: بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركتك»، وقوله تعالى: ﴿رحمة﴾ مفعول له: أي: نعمة عظيمةوفخمها بقوله تعالى: ﴿من عندنا﴾ بحيث لا يشك من ينظر ذلك أنا ما فعلناه إلا رحمة منا له، وإنّ غيرنا لا يقدر على ذلك ﴿وذكرى﴾ أي: عظمة عظيمة ﴿للعابدين﴾ أي: كلهم ليتأسوا به، فيصبروا إذا ابتلوا ولا يظنوا أنّ ذلك إنما نزل بهم لهوانهم، ويشكروا فيثابوا كما أثيب، وقيل: لرحمتنا العابدين فإنا نذكرهم بالإحسان ولا ننساهم.l
القصة السابعة: قصة إسماعيل وإدريس وذي الكفل المذكورة في قوله تعالى:
﴿وإسماعيل﴾ أي: واذكر إسماعيل بن
بإدخال الجار على المبتدأ المؤخر فقال: ﴿من محيض﴾ أي: مهرب وملجأ ومعدل، ولما بين تعالى من حال هؤلاء الكفار أنهم بعد أن كانوا مصرين على القول بإثبات الشركاء والأضداد لله تعالى في الدنيا تبرؤوا عن تلك الشركاء في الآخرة، بين تعالى أن الإنسان في جميع الأوقات متغير الأحوال فإن أحس بخير وقدرة تعاظم وإن أحس ببلاء ومحنة ذلّ بقوله تعالى:
﴿لا يسأم﴾ أي: لا يمل ولا يعجز ﴿الإنسان﴾ أي: الآنس بنفسه الناظر في إعطافه الذي لم يتأهل للمعارف الإلهية والطرق الشرعية ﴿من دعاء الخير﴾ أي: لا يزال يسأل ربه المال والصحة وغيرهما ﴿وإن مسه الشر﴾ أي: من فقر وشدة وغيرهما ﴿فيؤوس﴾ من فضل الله تعالى ﴿قنوط﴾ من رحمة الله تعالى، والمعنى: أن الإنسان في حال الإقبال لا ينتهي إلى درجة إلا ويطلب الزيادة عليها، وفي حال الإدبار والحرمان يصير آيساً قانطاً، وهذه صفة الكافر لقوله تعالى: ﴿لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون﴾ (يوسف: ٨٧)
تنبيه: في قوله تعالى ﴿يؤوس قنوط﴾ مبالغة من وجهين؛ أحدهما: من طريق فعول، والثاني: من طريق التكرار واليأس من صفة القلب، والقنوط أن تظهر آثار اليأس في الوجه والأحوال الظاهرة، ثم بين تعالى حال هذا الذي صار آيساً قانطاً بقوله تعالى:
﴿ولئن﴾ اللام لام القسم ﴿أذقناه﴾ أي: آتينا ذلك الإنسان ﴿رحمة﴾ أي: غنى وصحة ﴿منا﴾ أي: بما لنا من العظمة والقدرة ﴿من بعد ضراء﴾ أي: شدة وبلاء ﴿مسته﴾ فإنه يأتي بثلاثة أنواع من الأقاويل الفاسدة الموجبة للكفر والبعد من الله تعالى، الأول منها ما حكاه الله بقوله سبحانه: ﴿ليقولن﴾ بمجرد ذوق تلك الرحمة على أنها ربما كانت بلاء عظيماً لكونها استدراجاً إلى الهلاك ﴿هذا﴾ الأمر العظيم ﴿لي﴾ أي: حقي مختص بي وصل إلي لأني استوجبته بعلمي وعملي ولا يعلم المسكين أن أحداً لا يستحق على الله تعالى شيئاً لأنه إن كان عارياً من الفضائل فكلامه ظاهر الفساد، وإن كان موصوفاً بشيء من الفضائل والصفات الحميدة فهي إنما حصلت بفضل الله وإحسانه.
النوع الثاني: من كلامه الفاسد قوله: ﴿وما أظن الساعة﴾ أي: القيامة ﴿قائمة﴾ أي: ثابتاً قيامها فقطع الرجاء منها سواء عبر عن ذلك بلسان قاله أو بلسان حاله لكونه يفعل أفعال الشاك فيها، النوع الثالث: من كلامه الفاسد قوله ﴿ولئن﴾ اللام لام القسم ﴿رجعت﴾ أي: على سبيل الفرض أي: أن هذا الكافر يقول لست على يقين من البعث وإن كان الأمر على ذلك ورددت ﴿إلى ربي﴾ أي: الذي أحسن إلي بهذا الخير الذي أنا فيه ﴿إن لي عنده للحسنى﴾ أي: الحالة الحسنى من الكرامة وهي الجنة، فكما أعطاني في الدنيا سيعطيني في الآخرة، ولما حكى الله تعالى عنهم هذه الأقوال الثلاثة الفاسدة قال تعالى شأنه: ﴿فلننبئن﴾ أي: فلنخبرن ﴿الذين كفروا﴾ أي: ستروا ما دلت عليه العقول وصرائح النقول ﴿بما عملوا﴾ لا ندع منه كثيراً ولا قليلاً صغيراً ولا كبيراً فيرون عياناً ضد ما ظنوه من الدنيا من أن لهم الحسنى ﴿وقدمنا إلى ما علموا من عمل فجعلنا هباء منثوراً﴾ (الفرقان: ٢٣)
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لنوقفهم على مساوي أعمالهم ﴿ولنذيقهم﴾ أي: بعد إقامة الحجة عليهم بموازين القسط الوافية كمثاقيل الذر ﴿من عذاب غليظ﴾ أي: شديد لا يدع جهة من أجسامهم إلا أحاط بها.
ولما حكى الله تعالى أقوال الذي أنعم عليه بعد وقوعه
ما الدنيا في الآخرة إلا كنفجة أرنب. وعن ابن مسعود أنه قرأ هذه الآية فقال: أتدرون لم آثرنا الحياة الدنيا على الآخرة؟ قلنا: لا. قال: لأنّ الدنيا أحضرت، وعجل لنا طعامها وشرابها ونساؤها ولذاتها وبهجتها، وأنّ الآخرة نعتت لنا وزويت عنا فأحببنا العاجل وتركنا الآجل.
والإشارة في قوله تعالى: ﴿إنّ هذا لفي الصحف الأولى﴾ إلى قوله ﴿قد أفلح من تزكى﴾ إلى قوله ﴿خير وأبقى﴾، أي: هذا الكلام وارد في تلك الصحف. وقيل: إلى ما في السورة كلها، وهو رواية عكرمة عن ابن عباس. وقال الضحاك: إنّ هذا القرآن لفي الصحف الأولى ولم يرد أنّ هذه الألفاظ بعينها في تلك الصحف، وإنما معناه أنّ معنى هذا الكلام في تلك الصحف.
ثم بين تلك الصحف وهي المنزلة قبل القرآن بقوله تعالى:
﴿صحف إبراهيم﴾ وقدمه لأنّ صحفه أقرب إلى الوعظ كما نطق به حديث أبي ذر ﴿وموسى﴾ وختم به لأنّ الغالب على كتابة الأحكام والمواعظ فيه قليلة، ومنها الزواجر البليغة كاللعن لمن خالف أوامر التوراة التي أعظمها البشارة بمحمد ﷺ وروي عن أبيّ بن كعب «أنه سأل رسول الله ﷺ كم أنزل الله تعال من كتاب؟ فقال: مائة وأربعة كتب، منها على آدم عشر صحف وعلى شيث خمسون صحيفة، وعلى اخنوخ وهو إدريس ثلاثون صحيفة، وعلى إبراهيم عشر صحائف، والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان». وقيل: في صحف إبراهيم ينبغي للعاقل أن يكون حافظاً للسانه. عارفاً بزمانه، مقبلاً على شأنه. وعن عائشة قالت: «كان رسول الله ﷺ يقرأ في الركعتين اللتين يوتر بعدهما ب ﴿سبح اسم ربك الأعلى﴾ و ﴿قل يا أيها الكافرون﴾ وفي الوتر ب ﴿قل هو الله أحد﴾ و ﴿قل أعوذ برب الفلق﴾ و ﴿قل أعوذ برب الناس﴾ ».
وقرأ الأعلى، فسوى، المرعى، أحوى، فلا تنسى، وما يخفى، من يخشى، الأشقى، ولا يحيى، من تزكى، فصلى، الدنيا، وأبقى، الأولى، وموسى حمزة والكسائي بالإمالة محضة، وقرأ ورش وأبو عمرو بين بين، والفتح عن ورش قليل، أمّا الأعلى الذي، والأشقى الذي إذا وقف عليهما فالإمالة، وإن وصلا فلا إمالة والباقون بالفتح. وقرأ: الذكرى، الكبرى، أبو عمرو والكسائي بالإمالة محضة. وقرأ ورش بين اللفظين والباقون بالفتح، وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري: أنّ رسول الله ﷺ قال: «من قرأ سورة الأعلى أعطاه الله عشر حسنات بعدد كل حرف أنزله الله تعالى على إبراهيم وموسى ومحمد عليهم السلام». حديث موضوع.
سورة الغاشية
مكية بالإجماع
وهي ست وعشرون آية واثنان وتسعون كلمةوثلاثمائة وإحدى وثمانون حرفاً
﴿بسم الله﴾ علام الغيوب ﴿الرحمن﴾ كاشف الكروب ﴿الرحيم﴾ الذي خص أولياءه بالعفو عن الذنوب.
وقوله سبحانه وتعالى: ﴿هل أتاك حديث الغاشية﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنّ هل بمعنى قد، أي: قد جاءك يا أشرف الخلق حديث الغاشية، كقوله تعالى: ﴿هل أتى على الإنسان حين من الدهر﴾ (الإنسان: ١)
. قال قطرب: والثاني: أنه استفهام على حاله، وتسميه أهل البيان التشويق، والمعنى: إن لم يكن أتاك حديث الغاشية فقد أتاك وهو معنى قول الكلبي، والغاشية: الداهية التي تغشى الناس