شعار، والناس دثار، إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض» وعن رافع بن خديج أعطى رسول الله ﷺ أبا سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس، كل إنسان منهم مائة من الإبل، وأعطي عباس بن مرداس دون ذلك فقال العباس بن مرداس:
*أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع*
*فما كان حصن ولا حابس | يفوقان مرداس في مجمع* |
*وما كنت دون امرىء منهما | ومن يخفض اليوم لا يرفع* |
﴿ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء﴾ منهم بالتوفيق للإسلام ﴿وا غفور رحيم﴾ فيتجاوز عنهم، ويتفضل عليهم.
روي أنّ ناساً منهم جاؤوا فبايعوا رسول الله ﷺ على الإسلام وقالوا: يا رسول الله أنت خير الناس وأبرّ الناس وقد سبي أهلونا وأولادنا وأخذت أموالنا قيل: سبي يومئذٍ ستة آلاف نفس وأخذ من الإبل ما لا يحصى فقال: إنّ عندي ما ترون إنّ خير القول أصدقه اختاروا إما ذراريكم ونساءكم وإما أموالكم قالوا: ما كنا نعدل بالأحساب شيئاً، والحسب ما يعدّه الإنسان من مفاخر آبائه، كنوا بذلك عن اختيار الذراري والنساء على استرجاع الأموال لأنّ تركهم في ذلّ الأسر يفضي إلى الطعن في أحسابهم فقام رسول الله ﷺ فقال: «إنّ هؤلاء جاؤوا مسلمين وإنّا خيرناهم بين الذراري والأموال فلم يعدلوا بالأحساب شيئاً فمن كان بيده شيء وطابت نفسه أن يردّه فشأنه أي: فليلزم شأنه وأمره ومن لا تطب نفسه ليعطنا وليكن قرضاً علينا أي: بمنزلة القرض حتى نصيب شيئاً فنعطيه مكانه فقالوا: رضينا وسلمنا فقال: إني لا أدري لعلّ فيكم من لا يرضى فمروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك إلينا فرفعت إليه العرفاء أن قد رضوا.
﴿يأيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس﴾ أي: ذوو نجس لأنّ معهم الشرك الذي هو بمنزلة النجس أو إنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون ولا يتجنبون النجاسات فهي ملابسة لهم أو جعلوا كأنهم النجاسات بعينها مبالغة في وصفهم بها، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أعيانهم نجسة كالكلاب والخنازير، وعن الحسن رحمه الله تعالى: من صافح مشركاً توضأ وأهل المذاهب على خلاف هذين القولين والنجس مصدر يستوي فيه المذكر والمؤنث والتثنية والجمع.
﴿فلا يقربوا المسجد الحرام﴾ أي: لنجاستهم وإنما نهى عن الاقتراب للمبالغة والمنع من دخول الحرم. قال العلماء: وجملة بلاد الإسلام في حق الكفار على ثلاثة أقسام:
أحدها: الحرم فلا يجوز للكافر أن يدخل المسجد بحال ذمياً كان أو مستأمناً لظاهر هذه الآية وإذا جاء رسول من دار الكفر إلى الإمام والإمام في الحرم لا يؤذن له في دخول الحرم بل يخرج إليه الإمام أو يبعث إليه من يسمع رسالته خارج الحرم وجوّز أبو حنيفة وأهل الكوفة للمعاهد دخول الحرم.
القسم الثاني: من بلاد الإسلام الحجاز فيجوز للكافر دخوله بالإذن ولا يقيم فيه أكثر من ثلاثة أيام. لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: «لأخرجنّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى
الطبائع ﴿فإن الله﴾ أي: الذي له صفات الكمال ﴿غفور﴾ أي: ستور لهم ما أقدموا عليه لرجوعهم عنه ﴿رحيم﴾ أي: يفعل بهم من الإكرام فعل الراحم بالمرحوم في قبول الشهادة، وقبلت شهادته سواء قبل الحدّ وبعده وزال عنه اسم الفسق، وقالوا: هذا الاستثناء يرجع إلى رد الشهادة، وإلى الفسق، ويروى ذلك عن ابن عمرو وابن عباس، وجمع من الصحابة وبه قال مالك والشافعي، وذهب قوم إلى أن شهادة المحدود في القذف لا تقبل أبداً وإن تاب، وقالوا: الاستثناء رجع إلى قوله: ﴿وأولئك هم الفاسقون﴾، ويروى ذلك عن النخعي وشريح، وبه قال أصحاب الرأي قالوا: بنفس القذف لا تردّ شهادته ما لم يحد؛ قال الشافعي: هو قبل أن يحدّ شر منه حين يحدّ؛ لأن الحدود كفارات، فكيف يرد بها في أحسن حاليه، وذهب الشعبي إلى أن حد القذف يسقط بالتوبة.
فإن قيل: إذا قلتم بالأول فما معنى قوله تعالى: ﴿أبداً﴾ ؟ أجيب: بأن معنى أبداً ما دام مصراً على القذف؛ لأن أبد كل إنسان مدته على ما يليق بحاله كما يقال: لا تقبل شهادة الكافر أبداً؛ يراد بذلك ما دام على كفره، فإذا أسلم قبلت شهادته.
تنبيهان: الإقرار بالزنا هل يثبت بشهادة رجلين أو أربع كالزنا؟ فيه قولان: أصحهما أنه يثبت برجلين بخلاف فعل الزنا؛ لأن الفعل يغمض الاطلاع عليه، وإذا شهد على فعل الزنا يجب أن يذكر الزاني ومن زنا بها؛ لأنه قد يراه على جارية لأبيه فيظنه زناً يوجب الحد، وأن يقول في شهادته: رأيت ذكره يدخل في فرجها، وإن لم يقل دخول الميل في المكحلة لكن قوله ذلك أولى، فلو شهدوا مطلقاً أنه زنا لم يقبلوا لأنهم ربما يرون المفاخذة زناً، ويشترط أيضاً أن يفسر في إقراره كالشهود ويصح رجوعه عن الإقرار، ولو في أثناء الحدّ كما مرَّ، ولا فرق في قبول الشهادة بين أن يجيء الشهود متفرقين أو مجتمعين كما قاله الشافعي، وقال أبو حنيفة: إذا شهدوا متفرقين لا يثبت وعليهم حدّ القذف، ولو شهد على الزنا أقل من أربعة أو أربعة وفيهم الزوج لم يثبت الزنا وعليهم الحدّ؛ لأن شهادة الزوج لا تقبل في حق زوجته؛ قال ابن الرفعة في الكفاية: لأمرين أحدهما: أن الزنا تعرض لمحل حق الزوج، فإنّ الزاني يستمتع بالمنافع المستحقة له فشهادته في حقها تتضمن إثبات جناية الغير على ما هو مستحق له، فلم تسمع كما إذا شهد أنه جنى على عبده، والثاني: أنّ من شهد بزنا زوجته فنفس شهادته دال على إظهار العداوة؛ لأن زناها يوغر صدره بتلطيخ فراشه وإدخال الغير عليه وعلى ولده، وهو أبلغ من مؤلم الضرب وفاحش السب، ولو قذف رجل وجاء بأربعة فساق شهدوا على المقذوف بالزنا لم يحدّوا؛ لأن شرائط الشهادة بالزنا قد وجدت عند القاضي إلا أنه لم تقبل شهادتهم لأجل التهمة فكما اعتبرنا التهمة في نفي الحدّ عن المشهود عليه، فكذلك أوجبنا اعتبارها في نفي الحدّ عنهم، ولما كان لفظ المحصنات عاماً للزوجات، وكان لهن حكم غير ما تقدم وهو الحكم الرابع أفردهن بقوله:
﴿والذين يرمون﴾ أي: بالزنا ﴿أزواجهم﴾ أي: من المؤمنات والكافرات الحرائر والإماء ﴿ولم يكن لهم شهداء﴾ يشهدون على صحة ما قالوه ﴿إلا أنفسهم﴾ أي: غير أنفسهم وهذا ربما يفهم أنه إذا كان الزوج أحد الأربعة كفى وهذا المفهوم معطل لكونه حكاية حال واقعة لا شهود فيها، وقوله تعالى في الآية قبلها: ﴿ثم لم يأتوا بأربعة شهداء﴾ فإنه يقتضي كون الشهداء غير الرامي بالزنا، ولعله استثناه
الدهر فإن الدهر هو الله تعالى ولا يقولن للعنب الكرم فإن الكرم هو الرجل المسلم». ومعنى الحديث أن العرب كان من شأنها ذم الدهر وسبُّه عند النوازل لأنهم كانوا ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب والمكاره فيقولون: أصابتهم قوارع الدهر وأبادهم الدهر كما أخبر الله تعالى عنهم فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد سبوا فاعلها، فكان يرجع سبهم إلى الله تعالى إذ هو الفاعل في الحقيقة للأمور التي يضيفونها إلى الدهر فنهوا عن سبه.u
﴿وإذا تتلى﴾ أي: تتابع بالقراءة من أي تال كان ﴿عليهم آياتنا﴾ أي: على ما لها من العظمة في نفسها وبالإضافة إلينا حال كونها ﴿بينات﴾ أي: في غاية المكنة في الدلالة على البعث فلا عذر لهم في ردها ﴿ما كان﴾ أي: بوجه من وجوه الكون ﴿حجتهم﴾ أي: قولهم الذي ساقوه مساق الحجة ﴿إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا﴾ أي: أحياء ﴿إن كنتم صادقين﴾ أي: في أنا نبعث فهو لا يستحق أن يسمى شبهة فسمي حجة بزعمهم أو لأن من كانت حجته هذه فليست له ألبتة حجة كقوله:
*تحية بينهم ضرب وجيع*
ثم إن الله تعالى أمر نبيه ﷺ أن يجيبهم بقوله تعالى:
﴿قل الله﴾ أي: المحيط علماً وقدرة ﴿يحييكم﴾ أي: حين كنتم نطفاً ﴿ثم يميتكم﴾ أي: بأن يخرج أرواحكم من أجسادكم فتكونون كما كنتم قبل الإحياء كما تشاهدون ﴿ثم يجمعكم﴾ أي: بعد التمزق فيعيد فيكم أرواحكم كما كانت بعد طول مدة الرقاد منتهين ﴿إلى يوم القيامة﴾ أي: القيام الأعظم لكونه عاماً لجميع الخلائق ﴿لا ريب﴾ أي: لا شك بوجه من الوجوه ﴿فيه﴾ بل هو معلوم علماً قطعياً ضرورياً ﴿ولكن أكثر الناس﴾ أي: وهم القائلون ما ذكر ﴿لا يعلمون﴾ أي: لا يتجدد لهم علم لما لهم من النفوس والتردد والسفول عن أوج العقل إلى حضيض الجهل فهم واقفون مع المحسوسات لا يلوح لهم ذلك مع ما له من الظهور وقوله تعالى:
﴿ولله﴾ أي: الملك الأعظم وحده ﴿ملك السموات﴾ أي: كلها ﴿والأرض﴾ أي: التي ابتدأكم منها تعميم للقدرة بعد تخصيصها ﴿ويوم تقوم الساعة﴾ أي: توجد وتتحقق تحقق القائم الذي هو على كمال تمكنه وتمام أمره الناهض بأعباء ما يريد ثم كرر للتأكيد والتهويل قوله تعالى ﴿يومئذ﴾ أي: يوم تقوم يخسرون هكذا كان الأصل ولكنه قال تعالى للتعميم والتعليق بالوصف ﴿يخسر المبطلون﴾ أي: الداخلون في الباطل الغريقون في الاتّصاف به الذين كانوا لا يرضون بقضائي.
تنبيه: الحياة والعقل والصحة كأنها رأس مال والتصرف فيها بطلب السعادة الأخروية يجري مَجرى تصرف التاجر في ماله لطلب الربح، والكفار قد أتعبوا أنفسهم في تصرفاتهم بالكفر والأباطيل فلم يجدوا في ذلك اليوم إلا الحرمان والخذلان ودخول النار وذلك في الحقيقة نهاية الخسران.
﴿وترى﴾ أي: في ذلك اليوم ﴿كل أمة﴾ أي: أهل دين ﴿جاثية﴾ أي: مجتمعة لا يخالطها غيرها وهي مع ذلك باركة على الركب رعباً واستيفازاً لما لعلها تؤمر به جلسة المخاصم بين يدي الحاكم تنتظر القضاء الحاتم والأمر الجازم اللازم لشدة ما يظهر لها من هول ذلك اليوم ﴿كل أمة﴾ من الجاثين ﴿تدعى إلى كتابها﴾ أي: الذي أنزل عليها وتعبدها الله تعالى به والذي نسخته الحفظة عليهم السلام من أعمالها ليطبق أحدهما بالآخر فمن وافق كتابه ما أمر به من كتاب ربه نجا ومن خالفه هلك ويقال لهم حالة الدعاء ﴿اليوم تجزون﴾ أي: على وفق الحكمة بأيسر أمر ﴿ما﴾ أي: عين الذي
منهم أنهم لا يؤمنون. وإطلاق ما على الله تعالى على جهة المقابلة، وبهذا زال التكرار ووجه التكرار كما قال أكثر أهل المعاني: هو أن القرآن نزل بلسان العرب وعلى مجارى خطابهم ومن مذاهبهم التكرار لإرادة التأكيد والإفهام، كما أنّ من مذاهبهم الاختصار لإرادة التخفيف والإيجاز فالقائل بالتأكيد يقول قوله تعالى: ﴿ولا أنا عابد ما عبدتم﴾ تأكيد لقوله تعالى: ﴿لا أعبد ما تعبدون﴾ (التكاثر: ٣ ـ ٤)
وقوله تعالى: ﴿ولا أنتم عابدون ما أعبد﴾ ثانياً تأكيد لقوله تعالى: ﴿ولا أنتم عابدون ما أعبد﴾ ومثله ﴿فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾ (الرحمن: ٧٧)
و ﴿ويل يومئذ للمكذبين﴾ (المرسلات: ١٥)
في سورتيهما و ﴿كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون﴾ وفي الحديث: «فلا أذن ثم لا أذن إنما فاطمة بضعة مني» وفائدة التأكيد هنا قطع أطماع الكفار وتحقيق الأخبار وهو إقامتهم على الكفر، وأنهم لا يسلمون أبداً وعلى الأوّل قد تقيدت كل جملة بزمان غير الزمان الآخر قال ابن عادل: وفيه نظر كيف يقيد رسول الله ﷺ نفي عبادته لما يعبدون بزمان، وهذا مما لا يصح اه. وقد يردّ هذا بأنه ﷺ نفى في الجملة الأولى الحال، وفي الثانية الاستقبال وقول البيضاوي: فإن لا، لا تدخل إلا على مضارع بمعنى الاستقبال كما أنّ ما لا تدخل إلا على المضارع بمعنى الحال جرى على الغالب فيهما
ولما أيس منهم ﷺ قال: ﴿لكم دينكم﴾ أي: الذي أنتم عليه من الشرك ﴿ولي دين﴾ أي: الذي أنا عليه من التوحيد وهو دين الإسلام، وفي هذا معنى التهديد كقوله تعالى: ﴿لنا أعمالنا ولكم أعمالكم﴾ (القصص: ٥٥)
أي: إن رضيتم بدينكم فقد رضينا بديننا، وهذا كما قال الجلال المحلي: قبل أن يؤمر بالحرب، وقيل: السورة كلها منسوخة وقيل: ما نسخ منها شيء لأنها خبر، ومعنى لكم دينكم، أي: جزاء دينكم ولي دين، أي: جزاء ديني وسمي دينهم ديناً لأنهم اعتقدوه، وقيل: المعنى: لكم جزاؤكم ولي جزائي لأنّ الدين الجزاء، وحذفت ياء الإضافة من دين للتبعية وقفاً ووصلاً. قرأ نافع وهشام وحفص والبزي بخلاف عنه بفتح الياء والباقون بإسكانها.
فائدة: قال الرازي: جرت العادة بأنّ الناس يتمثلون بهذه الآية عند المتاركة وذلك غير جائز، لأنه تعالى ما أنزل القرآن ليتمثل به بل ليتدبر فيه فيعمل بموجبه.
وقول البيضاوي تبعاً للزمخشريّ عن رسول الله ﷺ «من قرأ سورة الكافرين فكأنما قرأ ربع القرآن، وتباعدت منه مردة الشياطين، وبرئ من الشرك، ويعافى من الفزع الأكبر» حديث موضوع إلا الجملة الأولى منه فرواها الترمذي.
سورة النصر مدنية
بالإجماع وتسمى سورة التوديع، وهي ثلاث آيات وستة عشر كلمة وتسعة وسبعون حرفاً
﴿بسم الله﴾ الذي له الأمر كله فهو العليم الحكيم ﴿الرحمن﴾ الذي أرسلك رحمة من الله العليّ العظيم ﴿الرحيم﴾ الذي خص أهل ودّه بفضله العميم.
وقوله تعالى: ﴿إذا﴾ منصوب بسبح ﴿جاء نصر الله﴾، أي: الملك الأعظم الذي لا مثل له، ولا أمر لأحد معه بإظهاره إياك على أعدائك ومعنى جاء استقرّ وثبت في المستقبل بمجيء وقته المضروب له في الأزل، وزاد في تعظيمه بالإضافة ثم بكونها