يقال: كفى بالعلم كمالاً وكفى بالأدب مالاً وهو معنى حسبك أي: لا تحتاج معه إلى غيره، لأنه تعالى خبير بأحوالهم قادر على مكافأتهم، وهذا وعيد شديد، ولما أمر الله تعالى رسوله محمد ﷺ أن يتوكل عليه وصف تعالى نفسه بأمور منها أنه حي لا يموت، ومنها أنه عالم بجميع المعلومات، ومنها أنه قادر على كل الممكنات، وهو قوله تعالى:
﴿الذي خلق السموات والأرض﴾ على عظمهما ﴿وما بينهما﴾ من الفضاء والعناصر والعباد وأعمالهم من الذنوب وغيرها ألا يعلم من خلق وقوله تعالى: ﴿في ستة أيام﴾ أي: من أيام الدنيا تعجيب للغبي الجاهل وتدريب للفطن العالم في الحلم والأناة والصبر على عباد الله تعالى في دعوتهم، فإن قيل: الأيام عبارة عن حركة الشمس في السموات، فقبل السموات لا أيام فكيف قال تعالى: في ستة أيام؟ أجيب: بأنه تعالى خلقها في مدة مقدارها هذه الأيام، فإن قيل: يلزم على هذا قدم الزمان وهو ممنوع؟ أجيب: بأن الله تعالى خلق هذه المدة أولاً ثم خلق السموات والأرض فيها بمقدار ستة أيام فلا يلزم من ذلك قدم الزمان، وقيل: في ستة أيام من أيام الآخرة كل يوم مقداره ألف سنة وهو بعيد؛ لأن التعريف لا بد وأن يكون بأمر معلوم لا بأمر مجهول.
فإن قيل: لما قدر الخلق والإيجاد بهذا المقدار؟ أجيب: بأنه يجب على المكلف أن يقطع الطمع عن مثل هذا فإنه بحر لا ساحل له من ذلك تقدير الملائكة الذين هم أصحاب النار بتسعة عشر، وحملة العرش بثمانية والشهور بإثني عشر والسموات بالسبع وعدد الصلوات ومقادير النصب في الزكوات والحدود والكفارات، فالإقرار بأن كل ما قاله الله حق هو الدين والواجب ترك البحث عن هذه الأشياء، وقد نص الله تعالى على ذلك في قوله عز وجل: ﴿وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيماناً ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلاً﴾ ثم قال الله تعالى: ﴿وما يعلم جنود ربك إلا هو﴾ (المدثر، ٣١)
وهذا جواب أيضاً عن أنه لم لم يخلقها في لحظة وهو قادر على ذلك، وعن سعيد ابن جبير: إنما خلقها في ستة أيام وهو قادر أن يخلقها في لحظة واحدة، تعليماً لخلقه الرفق والتثبت، وقيل: اجتمع خلقها يوم الجمعة فجعله الله عيداً للمسلمين، وعن مجاهد أول الأيام يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة، ولما كان تدبير هذا الملك أمراً باهراً أشار إليه بأداة التراخي بقوله تعالى: ﴿ثم استوى على العرش﴾ أي: شرع في التدبير لهذا الملك الذي اخترعه وأوجده، ولا يجوز أن يفسر بالاستقرار، لأنه يقتضي التغير الذي هو دليل الحدوث، ويقتضي التركيب وكل ذلك على الله محال، فإن قيل: يلزم من ذلك أن يكون خلق العرش بعد خلق السموات، وقال الله تعالى: ﴿وكان عرشه على الماء﴾ (هود، ٧)
أجيب: بأن كلمة ثم ما دخلت على خلق العرش بل على رفعه على السموات وهو في اللغة سرير الملك وفي رفع قوله تعالى ﴿الرحمن﴾ أوجه؛ أحدها: أنه خبر الذي خلق أو خبر مبتدأ مضمر أي: هو الرحمن ولهذا أجاز الزجاج وغيره الوقف على العرش، ثم يبتدىء الرحمن أي: هو الرحمن الذي لا ينبغي السجود والتعظيم إلا له، أو يكون بدلاً من الضمير في استوى، وعلى هذا اقتصر الجلال المحلي.
واختلف في معنى الفاء في قوله تعالى: ﴿فاسأل به﴾ على


الصفحة التالية
Icon