قاتل بعد صاحب البقرة» وفيه إضمار تقديره: فضرب فحيي، قال تعالى: ﴿كذلك﴾ الإحياء ﴿يحيي الله الموتى﴾ والخطاب مع من حضر حياة القتيل أو نزول الآية ﴿ويريكم آياته﴾ دلائل قدرته ﴿لعلكم تعقلون﴾ لكي يكمل عقلكم وتعلموا أنّ من قدر على إحياء نفس قدر على إحياء الأنفس كلها فتؤمنون.
قال البيضاويّ: ولعله تعالى إنما لم يحيه ابتداء وشرط فيه ما شرط لما فيه من التقرّب وأداء الواجب ونفع اليتيم والتنبيه على بركة التوكل أي: توكل أبي اليتيم والشفقة على الأولاد وأن من حق الطالب أن يقدم قربة والمتقرّب أن يتحرّى الأحسن ويغالي بثمنه كما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه ضحى بنجيبة ـ أي: من الابل ـ بثلثمائة دينار، وأن المؤثر في الحقيقة هو الله تعالى إلى إذ لا يتصوّر حياة ميت من غيره تعالى والأسباب أمارات لا أثر لها وأن من أراد أن يعرف أعدى عدوّه الساعي في إماتته الموت الحقيقي فطريقه أن يذبح بقرة نفسه التي هي القوّة الشهوية حين زال عنها أثر الصبا أي: عدم التكليف، وهو نظير لا بكر ولم يلحقها ضعف الكبر أي: وهو نظير لا فارض، وكانت معجبة رائقة المنظر أي: وهو نظير تسرّ الناظرين غير مذللة في طلب الدنيا أي: وهو نظير لا ذلول تثير الأرض مسلمة من دنسها، ﴿لا شية﴾ أي: لا علامة بها من قبائحها بحيث يصل أثره أي: الذبح إلى نفسه فتحيا حياة طيبة، ويعرب عما به ينكشف الحال ويرتفع ما بين العقل والوهم من التدارؤ والنزاع أي: لأن العقل يأمر بالخير والوهم يأمر بالشهوات.
﴿ثم قست قلوبكم﴾ أيها اليهود أي: ضلت عن قبول الحق لأن القساوة عبارة عن الغلظ مع الصلابة كما في الحجر وقساوة القلب مثل في بعده عن الاعتبار، وثم لاستبعاد القسوة عن الأحياء لا للتراخي في الزمان بل للاستبعاد مجاز القرينة ما قبلها بمعنى أنه يبعد من العاقل قسوة القلب بعد ظهور تلك الآية العظيمة ﴿من بعد ذلك﴾ المذكور من إحياء القتيل وما قبله من الآيات فإن ذلك مما يوجب لين القلب ﴿فهي كالحجارة﴾ في قسوتها، قرأ قالون وأبو عمرو والكسائي بسكون الهاء، والباقون بكسرها ﴿أو أشدّ قسوة﴾ من الحجارة، وقيل: أو بمعنى الواو كقوله تعالى: مائة ألف أو يزيدون وإنما لم يشبهها بالحديد مع أنه أصلب من الحجارة لأنّ الحديد قابل للين فإنه يلين بالنار وقد لان لداود عليه الصلاة والسلام والحجارة، لا تلين قط ثم فضل الحجارة على القلب القاسي فقال: ﴿وإنّ من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار﴾ أي: من بعض الحجارة وقيل: أراد به الحجر الذي كان يضرب عليه موسى للأسباط ﴿فإنّ منها لما يشقق﴾ فيه إدغام التاء في الأصل في الشين ﴿فيخرج منه الماء﴾ أي: عيوناً دون الأنهار ﴿وإنّ منها لما يهبط﴾ أن ينزل من أعلى الجبل إلى أسفله ﴿من خشية الله﴾ وقلوبكم لا تتأثر ولا تلين ولا تخشع يا معشر اليهود.
فإن قيل: الحجر جماد لا يفهم فكيف يخشى؟ أجيب: بأنّ الله يفهمه ويلهمه فيخشى بإلهامه، قال البغويّ: ومذهب أهل السنة أنّ لله تعالى علماً في الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقلاء لا يقف عليه غيره فلها صلاة وتسبيح كما قال جلّ ذكره: ﴿وإن من شيء إلا يسبح بحمده﴾ (الإسراء، ٤٤٠) وقال تعالى: ﴿والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه﴾ (النور، ٤١) (الحج، ١٨) وقال تعالى: ﴿ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر﴾ (الحج، ١٨) الآية فيجب على المرء الإيمان به ويكل علمه إلى الله سبحانه وتعالى.
روي أنّ النبيّ ﷺ كان على
إلى دفعه وردّه.
﴿س١١ش٧٧/ش٨٣ وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِى؟ءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَاذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَآءَهُ؟ قَوْمُهُ؟ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا؟ يَعْمَلُونَ السَّيِّـ؟َاتِ؟ قَالَ يَاقَوْمِ هَا؟ؤُ؟ءِ بَنَاتِى هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ؟ فَاتَّقُوا؟ اللَّهَ وَتُخْزُونِ فِى ضَيْفِى؟؟ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ * قَالُوا؟ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِى بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً أَوْءَاوِى؟ إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ * قَالُوا؟ يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُو؟ا؟ إِلَيْكَ؟ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ الَّيْلِ وَيَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِs امْرَأَتَكَ؟ إِنَّهُ؟ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ؟ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ؟ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ * فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ؟ وَمَا هِىَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾
﴿ولما جاءت رسلنا لوطاً﴾، أي: هؤلاء الملائكة الذين بشروا إبراهيم بالولد. قال ابن عباس: انطلقوا من عند إبراهيم إلى لوط وهو ابن أخي إبراهيم عليهما الصلاة والسلام وبين القريتين أربعة فراسخ ودخلوا عليه على صورة شباب مرد من بني آدم، وكانوا في غاية الحسن، ولم يعرف لوط أنهم ملائكة الله تعالى ﴿سيء بهم﴾، أي: حزن بسببهم ﴿وضاق بهم ذرعاً﴾، أي: صدراً، يقال: ضاق ذرع فلان بكذا إذا وقع في مكروه لا يطيق الخروج منه. وذلك أنّ لوطاً نظر إلى حسن وجوههم وطيب روائحهم، فخاف عليهم خبث قومه وأن يعجز عن مقاومتهم. وقيل: ساءه ذلك لأنه؛ عرف بالآخرة أنهم ملائكة الله تعالى وأنهم جاؤوا لإهلاك قومه، فَرَقَّ قلبه على قومه ﴿وقال هذا يوم عصيب﴾، أي: شديد كأنه قد عصب به الشرّ والبلاء، أي: شد به مأخوذ من العصابة التي تشد بها الرأس، قال قتادة: خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط فأتوا لوطاً نصف النهار وهو في أرض له يعمل فيها، وروي أنه كان يحتطب وقد قال الله تعالى لهم: لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات، فاستضافوه وانطلق بهم، فلما مضى ساعة قال لهم ما بلغكم من أمر هذه القرية؟ قالوا: وما أمرهم قال: أشهد بالله أنها لشرّ قرية في الأرض عملاً يقول ذلك أربع مرّات. وروي أنّ الملائكة جاؤوا إلى بيت لوط فوجدوه في داره ولم يعلم بذلك أحد إلا أهل بيت لوط، فخرجت امرأته فأخبرت قومها وقالت: إنّ في بيت لوط رجالاً ما رأيت مثل وجوههم قط.
﴿وجاءه قومه﴾ لما علموا بهم ﴿يهرعون﴾، أي: يسرعون ﴿إليه﴾ قاله ابن عباس وقال الحسن: الإهراع المشي بين مشيين. ﴿ومن قبل﴾، أي: قبل مجيئهم إلى لوط وقيل من قبل مجيء الرسل إليهم ﴿كانوا يعملون السيئات﴾، أي: الفعلات الخبيثة والفاحشة القبيحة وهي إتيان الرجال في أدبارهم. لوطٌ ﴿قال﴾ لقومه حين قصدوا أضيافه وظنوا أنهم غلمان من بني آدم ﴿يا قوم هؤلاء بناتي﴾ قال مجاهد وسعيد بن جبير: أراد ببناته نساء قومه، وأضافهنّ إلى نفسه؛ لأنّ كل نبي هو أبو أمّته كالوالد لهم، أي: فتزوجوا منهنّ. وقيل: أراد بنات نفسه عرضهنّ عليهم بشرط الإسلام. وقيل: كان في ذلك الوقت وفي تلك الشريعة يباح تزويج المرأة المسلمة بالكافر كما زوّج رسول الله ﷺ ابنته من عتبة بن أبي لهب وأبي العاص بن الربيع قبل الوحي وهما كافران، وقيل: كان لهم سيدان مطاعان فأراد أن يزوّجهما ابنتيه ﴿هن أطهر لكم﴾، أي: أنظف فعلاً. فإن قيل: أفعل التفضيل يقتضي كون العمل الذي يطلبونه طاهراً ومعلوم أنه فاسد؛ لأنه لا طهارة في إتيان الرجال؟ أجيب: بأنّ هذا جارٍ مجرى قوله تعالى: ﴿أذلك خير نزلاً أم شجرة الزقوم﴾ (الصافات، ٦٢) ومعلوم أنّ شجرة الزقوم لا خير فيها وكقوله ﷺ «لما قالوا يوم أحد: اعل هبل قال: الله أعلى وأجل». ولا مماثلة بين الله تعالى والصنم وإنما هو كلام خرج مخرج المقابلة ولهذا نظائر كثيرة ﴿فاتقوا الله﴾ وراقبوه واتركوا ما أنتم عليه من الكفر والمعاصي ﴿ولا تخزون﴾، أي: تفضحوني ﴿في ضيفي﴾، أي: أضيافي ﴿أليس منكم رجل رشيد﴾ يهتدي إلى الحق فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
﴿قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق﴾، أي: حاجة ﴿وإنك لتعلم ما نريد﴾، أي: من إتيان الذكور وما لنا فيه الشهوة فعند ذلك.
﴿قال﴾، أي: لوط عليه السلام {لو أنّ لي بكم
فكأن ذاته فيها، وعلى هذا فيرتفع على البدل والصفة، والرفع أفصح من النصب لأنه منفي، وعن عائشة رضي الله تعالى عنها من زعم أنه يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية، والله تعالى يقول.
﴿قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله﴾ وعن بعضهم أخفى غيبه عن الخلق ولم يطلع عليه أحداً لئلا يأمن أحد من عبيده مكره، وقوله تعالى: ﴿وما يشعرون﴾ صفة لأهل السموات والأرض نفي أن يكون لهم علم بالغيب، وإن اجتمعوا وتعاونوا ﴿أيان﴾ أي: أيّ وقت ﴿يبعثون﴾ أي: ينشرون، وقوله تعالى:
﴿بل﴾ بمعنى هل ﴿أدارك﴾ أي: بلغ وتناهى ﴿علمهم في الآخرة﴾ أي: بها حتى سألوا عن وقت مجيئها، ليس الأمر كذلك ﴿بل هم في شك﴾ أي: ريب ﴿منها﴾ كمن تحير في الأمر لا يجد عليه دليلاً ﴿بل هم منها عمون﴾ لا يدركون دلائلها لاختلال بصيرتهم، وهذا وإن اختص بالمشركين بمن في السموات والأرض، نسب إلى جميعهم كما يسند فعل البعض إلى الكل.
فإن قيل: هذه الاضرابات الثلاثة ما معناها؟ أجيب: بأنها لتنزيل أحوالهم وصفهم أوّلاً بأنّهم لا يشعرون بوقت البعث، ثم بأنهم لا يعلمون أنّ القيامة كائنة، ثم بأنهم يخبطون في شك ومرية فلا يزيلونه والإزالة مستطاعة، ثم بما هو أسوأ حالاً وهو العمى وأن يكون مثل البهيمة قد عكف همه على بطنه وفرجه لا يخطر بباله حقاً ولا باطلاً ولا يفكر في عاقبة وقد جعل الآخرة مبدأ عماهم ومنشأه فلذلك عدّاه بمن دون عن لأنّ الكفر بالعاقبة والجزاء هو الذي جعلهم كالبهائم لا يتدبرون ولا يتبصرون، ووصفهم باستحكام علمهم في أمر الآخرة تهكماً.
وقرأ أبو عمرو وابن كثير بقطع الهمزة مفتوحة وسكون اللام قبلها وسكون الدال بعدها، والباقون بكسر اللام وإسقاط الهمزة بعدها وتشديد الدال وبعدها ألف بمعنى تتابع حتى استحكم أو تتابع حتى انقطع من تدارك بنو فلان إذا تتابعوا في الهلاك وقوله تعالى:
﴿وقال الذين كفروا أئذا كناتراباً وآباؤنا أئنا﴾ أي: نحن وآباؤنا الذين طال العهد بهم ﴿لمخرجون﴾ كالنبات، والعامل في إذا محذوف يدل عليه لمخرجون تقديره نبعث ونخرج، لأنّ بين يدي عمل اسم المفعول فيه عقبات وهي همزة الاستفهام وإنا ولام الابتداء وواحدة منها كافية فكيف إذا اجتمعت، والمراد الإخراج من الأرض أو من حال الفناء إلى حال الحياة وتكرير حرف الاستفهام بإدخاله على إذا وأنا جميعاً إنكار على إنكار وجحود عقب جحود ودليل على كفر مؤكد مبالغ فيه، والضمير في إنا لهم ولآبائهم لأنّ كونهم تراباً قد تناولهم وآباؤهم.
تنبيه: آباؤنا عطف على اسم كان وقام الفصل بالخبر مقام الفصل بالتوكيد.
وقرأ نافع بالخبر في إذا وبالاستفهام في أئنا، وابن عامر والكسائي بالاستفهام في الأوّل والخبر في الثاني وزادا فيه نوناً ثانية، وباقي القراء بالاستفهام في الأوّل والثاني وهم على مذاهبهم من التسهيل والتحقيق والمدّ والقصر، فمذهب قالون وأبي عمرو التسهيل في الهمزة الثانية، وإدخال ألف بينها وبين همزة الاستفهام، ومذهب ورش وابن كثير التسهيل وعدم الإدخال ومذهب هشام الإدخال وعدمه مع التحقيق، ومذهب الباقين التحقيق وعدم الإدخال، ثم أقام الكفار الدليل في زعمهم على ذلك فقالوا تعليلاً لاستبعادهم.
﴿لقد وعدنا هذا﴾ أي: الإخراج
من باب القياس الظاهر لأنّ عرض الإنسان أشرف من لحمه ودمه، فإذا لم يحسن من العاقل أكل لحوم الناس لم يحسن منه قرض عرضهم بالطريق الأولى، لأنّ ذلك أشدّ ألماً وقوله تعالى لحم أخيه آكد في المنع لأنّ العدوّ يحمله الغضب على مضغ لحم العدوّ وفي قوله تعالى: ﴿ميتاً﴾ إشارة إلى دفع وهم وهو أن يقال: إنّ الشتم في الوجه يؤلم فيحرم وأمّا الاغتياب فلا اطلاع عليه فلا يؤلم، فيقال لحم الأخ وهو ميت أيضاً لا يؤلم ومع هذا هو في غاية القبح كما أنه لو اطلع عليه لتألم فإنّ الميت لو أحس بأكل لحمه لآلمه وفيه معنى لطيف وهو أنّ الاغتياب أكل لحم الآدمي ميتاً ولا يحل أكله إلا للمضطرّ بقدر الحاجة والمضطرّ إذا وجد لحم الشاة الميتة ولحم الآدمي فلا يأكل لحم الآدمي فكذلك المغتاب إذا وجد لحاجته مدفعاً غير الغيبة فلا يباح له الاغتياب. قال مجاهد: لما قيل لهم أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً قالوا: لا قيل فكرهتموه أي كما كرهتم هذا فاجتنبوا ذكره بالسوء غائباً. قال الزجاج: تأويله أنّ ذكرك من لم يحضرك بسوء بمنزلة أكل لحمه وهو ميت لا يحس بذلك.
قال الرازي: وفي ضمير فكرهتموه وجوه: أظهرها: أن يعود إلى الأكل. وثانيها: أن يعود إلى اللحم أي: فكرهتم اللحم. وثالثها: أن يعود إلى الميت في قوله تعالى ميتاً تقديره أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً متغيراً فكرهتموه فكأنه صفة لقوله ميتاً ويكون فيه زيادة مبالغة في التحذير يعني الميتة إن أكلت في الندرة تستطاب نادراً ولكن إذا أنتن وأروح وتغير لا يؤكل أصلاً. فكذلك ينبغي أن تكون الغيبة وذلك يحقق الكراهة ويوجب النفرة إلى حدّ لا يشتهي الإنسان أن يبيت في بيت فيه ميت فكيف يقربه بحيث يأكله ففيه إذاً كراهية شديدة. وكذلك حال الغيبة.
وعنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «لما عرج بي مررت بقوم لهم أظافير من نحاس يخمشون وجوههم ولحومهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم» وقال ميمون بن سنان: بينما أنا نائم إذا أنا بجيفة زنجي وقائل يقول لي كل هذا قلت يا عبد الله ولم آكل هذا قال إنك اغتبت عبد فلان قلت والله ما ذكرت فيه خيراً ولا شرّاً قال ولكن سمعت ورضيت فكان ميمون لا يغتاب أحد ولا يدع أحداً يغتاب عنده.
وقوله تعالى: ﴿واتقوا الله﴾ أي: اجعلوا بينكم وبين الملك الأعظم وقاية بطاعته معطوف على ما تقدّم من الأوامر والنواهي أي اجتنبوا واتقوا الله ﴿إن الله﴾ أي: الملك الأعظم ﴿توّاب﴾ أي: مكرّر للتوبة وهي الرجوع عن المعصية إلى ما كان قبلها من معاملة التائب وإن كرّر الذنب فلا ييأس أحد وإن كثرت ذنوبه وعظمت ﴿رحيم﴾ يزيده على ذلك بأن يكرمه غاية الإكرام.
تنبيه: ختم سبحانه وتعالى الآيتين بذكر التوبة فقال في الأولى: ﴿ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون﴾ وقال ههنا ﴿إنّ الله تواب رحيم﴾ لكن لما كان الابتداء في الآية الأولى بالنهي في قوله تعالى: ﴿لا يسخر قوم من قوم﴾ ذكر النفي الذي هو قريب من النهي وفي الثانية كان الابتداء بالأمر في قوله تعالى: ﴿اجتنبوا كثيراً﴾ فذكر الإثبات الذي هو قريب من الأمر. وقوله تعالى:
﴿يا أيها الناس﴾ أي: كافة المؤمن وغيره ﴿إنا﴾ أي: على مالنا من العظمة ﴿خلقناكم﴾ أي: أوجدناكم من العدم على ما أنتم عليه من المقادير