قتادة ونفى عنهم العلم؛ لأنهم لم يعملوا به ﴿لولا﴾ أي: هلا ﴿يكلمنا الله﴾ كما يكلم الملائكة أو يوحى إلينا بأنك رسوله ﴿أو تأتينا آية﴾ أي: علامة مما اقترحناه على صدقك ﴿كذلك﴾ أي: كما قال هؤلاء: ﴿قال الذين من قبلهم﴾ من كفار الأمم الماضية لأنبيائهم ﴿مثل قولهم﴾ من التعنت وطلب الآيات فقالوا: أرنا الله جهرة وهل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ﴿تشابهت قلوبهم﴾ أي: قلوب هؤلاء ومن قبلهم في الكفر والعناد، وفي هذا تسلية للنبيّ ﷺ ﴿قد بينا الآيات لقوم يوقنون﴾ الحقائق ولا يعتريهم شبهة ولا عناد. وفيه إشارة إلى أنهم قالوا ذلك لا لخفاء في الآيات أو لطلب مزيد يقين وإنما قالوه عتوّاً وعناداً.
﴿إنا أرسلناك﴾ يا محمد ﴿بالحق﴾ أي: القرآن كما قاله ابن عباس كما قال تعالى: ﴿بل كذبوا بالحق لما جاءهم﴾ (ق، ٥) أو الاسلام وشرائعه كما قاله ابن كيسان قال تعالى: ﴿وقل جاء الحق﴾ (الإسراء، ٨١) ﴿بشيراً﴾ أي: مبشراً من أجاب إلى ذلك بالجنة ﴿ونذيراً﴾ أي: منذراً من لم يجب إليه بالنار أي: إنما أرسلناك؛ لأن تبشر وتنذر لا لتجبر الناس على الإيمان وهذه تسلية لرسول الله ﷺ لأنه كان يغتم ويضيق صدره لإصرارهم وتصميمهم على الكفر ﴿ولا تسئل عن أصحاب الجحيم﴾ أي: النار وهم الكفار ما لهم لم يؤمنوا بعد أن بيّنت وبلغت جهدك في دعوتهم كقوله تعالى: ﴿فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب﴾ (الرعد، ٤٠) وقرأ نافع: تسأل بفتح التاء وسكون اللام على النهي.
قال عطاء عن ابن عباس: وذلك أنّ النبيّ ﷺ قال ذات يوم: «ليت شعري ما فعل أبواي» فنزلت هذه الآية فنهى عن السؤال عن أحوال الكفرة والاهتمام بأعداء الله تعالى لكن الخبر ضعيف والمختار أنها نزلت في كفار أهل الكتاب، وقرأ الباقون بضم التاء واللام على النفي أي: ولست بمسؤول عنهم كما قال تعالى: ﴿فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب﴾ (الرعد، ٤٠).
﴿س٢ش١٢٠/ش١٢٤ وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ؟ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى؟ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ؟ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَنَصِيرٍ * الَّذِينَءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ؟ حَقَّ تِ وَتِهِ؟ أُو؟لَا؟ئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ؟؟ وَمن يَكْفُرْ بِهِ؟ فَأُو؟لَا؟؟ـ؟ِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * يَابَنِى؟ إِسْرَا؟ءِيلَ اذْكُرُوا؟ نِعْمَتِىَ الَّتِى؟ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّى فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَاتَّقُوا؟ يَوْمًا s تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَيُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَتَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَهُمْ يُنصَرُونَ * وَإِذِ ابْتَلَى؟ إِبْرَاهِ؟مَ رَبُّهُ؟ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ؟ قَالَ إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا؟ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِى؟ قَالَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾
﴿ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم﴾ أي: دينهم أي: لن ترضى عنك اليهود إلا باليهودية ولا النصارى إلا بالنصرانية. وفي هذا مبالغة في إقناطه ﷺ عن اسلامهم وذلك أنهم كانوا يسألونه الهدنة ويطمعونه أنه إن أمهلهم اتبعوه فأنزل الله تعالى هذه الآية. فإنهم إذا لم يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم فكيف يتبعون ملته؟ قال البيضاوي: ولعلهم قالوا مثل ذلك فحكى الله تعالى ذلك عنهم ولذلك قال: ﴿قل﴾ تعليماً للجواب ﴿إنّ هدى الله﴾ الذي هو الإسلام ﴿هو الهدى﴾ أي: هو الذي يصح أن يسمى هدى وهو الهدى كله ليس وراءه هدى وما يدعون إلى اتباعه ما هو بهدي إنما هو أهواء ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿ولئن﴾ اللام لام القسم ﴿اتبعت أهواءهم﴾ أي: آراءهم الزائغة التي يدعونك إليها الخطاب معه ﷺ والمراد منه أمّته كقوله تعالى: ﴿لئن أشركت ليحبطنّ عملك﴾ (الزمر، ٦٥) ﴿بعد الذي جاءك من العلم﴾ أي: من الدين المعلوم صحته بالبراهين الصحيحة ﴿ما لك من الله من وليّ﴾ يحفظك ﴿ولا نصير﴾ يمنعك منه.
ونزل في جماعة من أهل الكتاب قدموا من الحبشة وأسلموا.
﴿الذين آتيناهم الكتاب﴾ وهو مبتدأ ﴿يتلونه حق تلاوته﴾ أي: يعرفونه كما أنزل لا يحرفونه ولا يغيرون ما فيه من نعت محمد ﷺ والجملة حال مقدّرة وحق نصب على المصدر والخبر ﴿أولئك يؤمنون به﴾ أي: بكتابهم دون المحرفين ﴿ومن يكفر به﴾ أي: بالكتاب المؤتى بأن يحرفه {فأولئك
ليلة الجمعة، وكانت ليلة القدر كأنّ أحد عشر كوكباً نزلت من السماء ومعها الشمس والقمر، فسجدوا له وفسروا الكواكب بإخوته، وكانوا أحد عشر يستضاء بهم كما يستضاء بالنجوم، والشمس والقمر بأبيه وأمّه بجعل الشمس للأمّ؛ لأنها مؤنثة والقمر للأب؛ لأنه مذكر. والذي رواه البيضاوي تبعاً «للكشاف» عن جابر من أنّ يهودياً قال للنبيّ ﷺ أخبرني عن النجوم التي رآهن يوسف فأخبره بأسمائها فقال اليهودي: ، أي: والله إنها لأسماؤها. قال ابن الجوزي: إنه موضوع، وقوله: ﴿رأيتهم لي ساجدين﴾ استئناف لبيان حالهم التي رآهم عليها فلا تكرار؛ لأنّ الرؤية الأولى تدل على أنه شاهد الكواكب والشمس والقمر والثانية تدل على أنه شاهد كونها ساجدة له.
وقال بعضهم: إنه لما قال: إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر قيل له: كيف رأيت؟ قال: رأيتهم لي ساجدين. وقال آخرون: يجوز أن يكون أحدهما من الرؤية والآخر من الرؤيا، وهذا القائل لم يبين أنّ أيهما يحمل على الرؤية وأيهما يحمل على الرؤيا؟ قال الرازي: فذكر قولاً مجملاً غير مبين. فإن قيل: قوله: رأيتهم وقوله: ساجدين لا يليق إلا بالعقلاء والكواكب جمادات فكيف جاءت اللفظة المخصوصة بالعقلاء في حق الجمادات؟ أجيب: بأنها لما وصفت بالسجود صارت كأنها تعقل وأخبر عنها كما أخبر عمن يعقل كما قال تعالى في صفة الأصنام: ﴿وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون﴾ (الأعراف، ١٩٨) وكما في قوله تعالى: ﴿يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم﴾ (النمل، ١٨). فإن قيل: لم أفرد الشمس والقمر بالذكر مع أنهما من جملة الكواكب؟ أجيب: بأنه أفردهما لفضلهما وشرفهما على سائر الكواكب كقوله تعالى: ﴿وملائكته ورسله وجبريل وميكال﴾ (البقرة، ٩٨) وهل المراد بالسجود نفس السجود حقيقة أو التواضع؟ كلاهما محتمل، والأصل في الكلام حمله على الحقيقة قال أهل التفسير: إن يعقوب عليه السلام كان شديد الحب ليوسف عليه السلام فحسده إخوته لهذا السبب، وظهر وذلك ليعقوب فلما رأى يوسف هذه الرؤيا، وكان تأويلها أن أبويه وإخوته يخضعون له، وخاف عليه حسدهم وبغيهم.
﴿قال﴾ له أبوه ﴿يا بنيّ﴾ بصيغة التصغير للشفقة أو لصغر سنه على ما تقدّم، وقرأ حفص في الوصل بفتح الياء، والباقون بالكسر والتشديد للجميع ﴿لا تقصص رؤياك على إخوتك﴾، أي: لا تخبرهم برؤياك فإنهم يعرفون تأويلها ﴿فيكيدوا لك كيدا﴾، أي: فيحتالوا في هلاكك. فإن قيل: لم لم يقل فيكيدوك كما قال فكيدوني؟ أجيب: بأنّ هذه اللام تأكيد للصلة كقوله: ﴿للرؤيا تعبرون﴾ (يوسف، ٤٣) وكقوله: نصحتك ونصحت لك، وشكوتك وشكوت لك.I
وقيل صلة كقوله: ﴿لربهم يرهبون﴾ (الأعراف، ١٥٤). ﴿إن الشيطان للإنسان عدوّ مبين﴾، أي: ظاهر العداوة كمل فعل بآدم وحوّاء فلا يألو جهداً في تسويلهم وإثارة الحسد فيهم حتى يحملهم على الكيد، وعن أبي قتادة قال: كنت أرأى الرؤيا تمرضني حتى سمعت رسول الله ﷺ يقول: «الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فإذا رأى أحدكم ما يحبه فلا يحدّث به إلا من يحب وإذا رأى ما يكره فلا يحدث به وليتفل عن يساره ثلاثاً وليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم وشرّها فإنها لا تضرّه»
وعن أبي سعيد الخدري أنّ رسول الله ﷺ قال: «إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنها من
الظلمة حتى من لاق لهم دواة أو برى لهم قلماً فيجمعون في تابوت من حديد فيرمي بهم في جهنم» وقول ابن عباس يدل على أن الإسرائيلي الذي أعانه موسى عليه السلام كان كافراً وهو قول مقاتل: وقال قتادة: أني لا أعين بعدها على خطيئة، وقيل: بما أنعمت عليّ من القوة فلن أستعملها إلا في مظاهرة أوليائك وأهل طاعتك والإيمان بك، قال ابن عباس: لم يستئن أي: لم يقل فلن أكون إن شاء الله تعالى فابتلي به في اليوم الثاني كما قال تعالى:
﴿فأصبح في المدينة﴾ أي: التي قتل القتيل فيها ﴿خائفاً﴾ أي: بسبب قتله له ﴿يترقب﴾ أي: ينتظر ما يناله من جهة القتيل، قال البغويّ: والترقب انتظار المكروه، وقال الكلبيّ: ينتظر متى يؤخذ به ﴿فإذا﴾ أي: ففجأه ﴿الذي استنصره﴾ أي: طلب نصرته من شيعته ﴿بالأمس﴾ أي: اليوم الذي يلي يوم الاستصراخ ﴿يستصرخه﴾ أي: يطلب أن يزيل ما يصرخ بسببه من الضر من قبطيّ آخر كان يظلمه، فكأنه قيل: فما قال له موسى بعدما أوقعه فيما يكره فقيل ﴿قال له﴾ أي: لهذا المستصرخ ﴿موسى إنك لغويّ﴾ أي: صاحب ضلال بالغ ﴿مبين﴾ أي: واضح الضلال غير خفيه لكون ما وقع بالأمس لم يكفك عن الخصومة لمن لا تطيقه وإن كنت مظلوماً ثم دنا منهما لينصره.
﴿فلما أن أراد﴾ أي: شاء فإن مزيدة ﴿أن يبطش﴾ أي: موسى عليه السلام ﴿بالذي هو عدوّ لهما﴾ أي: لموسى والإسرائيلي لأنه لم يكن على دينهما ولأنّ القبط كانوا أعداء بني إسرائيل بأن يأخذه بعنف وسطوة لخلاص الإسرائيلي منه ﴿قال﴾ أي: الإسرائيلي الغويّ لأجل ما رأى من غضبه وتكليمه له ظاناً أنه يريد البطش به ﴿يا موسى﴾ ناصاً عليه باسمه ﴿أتريد أن تقتلني﴾ أي: اليوم وأنا من شيعتك ﴿كما قتلت نفساً بالأمس﴾ أي: من شيعة أعدائنا والذي يدل على أن الإسرائيلي هو الذي قال له هذا الكلام السياق، وعليه الأكثرون، لأنه لم يعلم بقتل القبطي غير الإسرائيلي، وقيل: إنما قال موسى للفرعوني ﴿إنك لغويّ مبين﴾ بظلمك ويناسبه قوله ﴿إن﴾ أي: ما ﴿تريد إلا أن تكون جباراً﴾ أي: قاهراً عالياً فلا يليق ذلك إلا بقول الكافر، أو أن الإسرائيلي لما ظن قتله فإن ذلك، وقد قيل في الإسرائيلي أنه كان كافراً، قال أبو حيان وشأن الجبار أن يقتل بغير حق ﴿في الأرض﴾ أي: التي تكون بها فلا يكون فوقك أحد ﴿وما تريد﴾ أي: تتخذ ذلك إرادة ﴿أن تكون﴾ أي: كوناً هو لك كالجبلة ﴿من المصلحين﴾ أي: الغريقين في الصلاح فإنّ الصلح بين الناس لا يصل إلى القتل على هذه الصورة فلما سمع القبطيّ هذا ترك الإسرائيلي وكان القبط لما قتل ذلك القبطي ظنوا في بني إسرائيل فأغروا فرعون بهم وقالوا إنّ بني إسرائيل قتلوا منا رجلاً فخذ لنا بحقنا فقال ابغوا لي قاتله ومن يشهد عليه فإن الملك وإن كان صفوة مع قومه لا يستقيم له أن يقضي بغير بينة ولا تثبت فلما قال هذا الغوي هذه المقالة علم القبطي أن موسى عليه السلام هو الذي قتل الفرعوني فانطلق إلى فرعون فأخبره بذلك فأمر فرعون بقتل موسى.
قال ابن عباس: فلما أرسل فرعون الذباحين لقتل موسى أخذوا الطريق الأعظم.
﴿وجاء رجل﴾ أي: ممن يحب موسى عليه السلام واختلف في اسمه فقيل حزقيل مؤمن آل فرعون، وقيل شمعون وقيل شمعان، وكان ابن عمّ فرعون ﴿من أقصى المدينة﴾ أي: أبعدها مكاناً ﴿يسعى﴾ أي: يسرع
أي إزلافاً غير بعيد وظاهر عبارة الزمخشري فإنه قال أو شيئاً غير بعيد فإن قيل: ما وجه التقريب والجنة مكان والأمكنة يقرب منها وهي لا تقرب. أجيب: من أوجه. أوّلها: أنّ الجنة لا تزال ولا يؤمر المؤمن في ذلك اليوم بالانتقام إليها مع بعدها لكن الله تعالى يطوي المسافة التي بين المؤمن والجنة فهو التقريب.
فإن قيل: فعلى هذا ليس إزلاف الجنة من المؤمن بأولى من إزلاف المؤمن من الجنة فما فائدة قوله تعالى: ﴿أزلفت الجنة﴾ أجيب بأن ذلك إكرام للمؤمن وبيان لشرفه وأنه ممن يمشي إليه ثانيها: قريب من الحصول في الدخول لا بمعنى القرب المكاني. ثالثها: أنّ الله تعالى قادر على نقل الجنة من السماء إلى الأرض فيقربها للمؤمن. ويحتمل أنها أزلفت بمعنى جمعت محاسنها لأنها مخلوقة وأما بمعنى قرب الحصول لها لأنها تنال بكلمة طيبة وحسنة وخص المتقين بذلك لأنهم أحق بها.
وقوله تعالى: ﴿هذا﴾ أي: الإزلاف والذي ترونه من كل ما يسركم ﴿ما﴾ أي: الأمر الذي ﴿توعدون﴾ أي: وقع الوعد لكم به في الدنيا يجوز فيه وجهان.
أحدهما: أن يكون معترضاً بين البدل والمبدل منه وذلك أنّ ﴿لكل أوّاب﴾ أي: رجاع إلى طاعة الله تعالى بدل من المتقين بإعادة العامل.
ثانيهما: أن يكون منصوباً بقول مضمر ذلك القول منصوب على الحال أي مقولاً لهم. وقرأ ابن كثير: بالياء على الغيبة. والباقون: بالتاء على الخطاب ونسب أبو حيان قراءة الياء لابن كثير ولأبي عمرو وإنما هي لابن كثير فقط. وقال سعيد بن المسيب: الأوّاب هو الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب. وقال الشعبيّ ومجاهد هو الذي يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر منها. وقال ابن عباس رضى الله عنهما وعطاء: هو المسبح من قوله تعالى ﴿يا جبال أوّبي معه﴾ (سبأ: ١٠)
وقال قتادة: هو المصلي. وقوله تعالى ﴿حفيظ﴾ اختلف فيه. فقال ابن عباس رضى الله عنهما: هو الذي يحفظ ذنوبه حتى يرجع عنها ويستغفر منها. وعن ابن عباس رضى الله عنهما أيضاً: الحفيظ لأمر الله. وقال قتادة: الحفيظ لما استودعه الله تعالى من حقه. والأوّاب والحفيظ كلاهما من باب المبالغة أي يكون كثير الأوب شديد الحفظ ثم أبدل من كلٍ تنميماً لبيان المتقين قوله تعالى:
﴿من خشي﴾ أي: خاف ونبه على كثرة خشيته بقوله تعالى: ﴿الرحمن﴾ لأنه إذا خافه مع استحضار الرحمة العامة للمطيع والعاصي كان خوفه مع استحضار غيرها أولى وقال القشيري: التعبير بذلك للإشارة إلى أنها خشية تكون مقرونة بالأنس يعني الرجاء كما هو المشروع، قال: ولذلك لم يقل الجبار أو القهار. ويقال الخشية ألطف من الخوف فكأنها قريبة من الهيبة وقوله تعالى: ﴿بالغيب﴾ حال أي غائباً عنه فيحتمل أن يكون حالاً من الفاعل أو المفعول أو منهما. وقيل الباء للمصاحبة أي مصاحب له من غير أن يطلب آية أو أمراً يصير به إلى حد المكاشفة بل استغنى بالبراهين القطيعة التي منها أنه مربوب وهو أيضاً بيان لبليغ خشيته ويجوز أن يكون صفة لمصدر خشى أي خشيه خشية ملتبسة بالغيب ومعنى الآية من خاف الرحمن فأطاعه بالغيب ولم يره.
وقال الضحاك والسدي: يعني في الخلوة حيث لا يراه أحد. وقال الحسن: إذا أرخى الستور وأغلق الباب. وقوله تعالى ﴿وجاء﴾ أي: بعد الموت ﴿بقلب منيب﴾ أي: راجع إلى الله تعالى صفة مدح لأنّ شأن الخائف أن يهرب فأما المتقي فجاء ربه لعلمه أنه


الصفحة التالية
Icon