وفي صحيح مسلم أن (أنيسا الغفاري) أخا أبي ذرّ: قال لأبي ذرّ:
لقيت رجلا بمكة على دينك، يزعم أن الله أرسله، قلت: فما يقول الناس، قال يقولون: شاعر، ساحر، كاهن، وكان (أنيس) أحد الشعراء قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر (يريد أنواعه وبحوره) فلم يلتئم على لسان أحد منهم أنه شعر، والله إنهم لكاذبون وإنه لصادق (١).
وأخرج ابن إسحاق في السيرة: أن أبا جهل قال في ملأ من قريش: لقد التبس علينا أمر محمد، فلو التمستم لنا رجلا عالما بالشعر، والكهانة، والسحر، فكلّمه ثمّ أتانا ببيان عن أمره؟ فقال (عتبة بن ربيعة) - وكان من أشراف القوم وسادتهم-: أنا أقوم إليه وأكلّمه! فأتاه فقال: يا محمد أنت خير أم هاشم؟ أنت خير أم عبد المطلب؟ أنت خير أم
عبد الله؟ فبم تشتم آلهتنا وتضلّلنا؟ فإن كنت تريد الرئاسة، عقد لك اللواء فكنت رئيسنا، وإن كنت تريد النساء زوّجناك ما تشاء منهن، تختار من أي بنات قريش ما شئت، وإن كنت تريد المال جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أغنانا وأكثرنا مالا، والنبي صلّى الله عليه وسلّم ساكت لا يجيبه، فلمّا فرغ من عرضه، قال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أفرغت»؟، قال: نعم، قال: «فاسمع إذا»، فتلا عليه سورة فصّلت حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٤) [فصلت: ١ - ٤] الخ. حتى بلغ قوله تعالى: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً [فصلت: ١٣] فأمسك عتبة على فيه وناشده بالرحم أن يكفّ. ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش، فلما احتبس عنهم قالوا: ما نرى عتبة إلا قد صبأ! فانطلقوا إليه وقالوا: يا عتبة ما حبسك عنا إلا أنك قد صبأت، فغضب ثم قال لهم: والله لقد كلمته فأجابني بشيء والله ما هو بشعر، ولا بسحر، ولا بكهانة، وقد ناشدته بالرحم