ويعطيهم، ولم يكن علم هؤلاء الاكابر قاصرا على فرع دون فرع، بل كانوا كالموسوعة، التى تجد فيها الوانا شتى من المعارف.... من تفسير وقراءات وحديث، وعلم برجاله، ورواياته، ونحو وبلاغة، وفقه، وأدب، وتاريخ.
فأخذ عنهم الطبرى هذه الموسوعة، واستوعب هذه العلوم، وبرع فيها، وإن اختلفت درجة هذه البراعة.. ولم يكن ذلك غريبا على رجل كالطبرى، فقد وهب حياته للعلم، وتخفف من كل اثقال الحياة وتبعاتها، حيث قضى حياته دون زواج. مع استعداد كبير للرضا بالحياة وشظفها، فكان انتاجه متساوقا مع نبوغه وفهمه وتفرغه، فترك كثيرا من المؤلفات التى أوصلها بعضهم الى نحو الثلاثين، واشتهر منها مؤلفان: «تاريخ الأمم والملوك»، «وجامع البيان فى تأويل آى القرآن» الذى يقع فى ثلاثين جزءا وهو الذى يهمنا الحديث عنه الآن.
مقدمات سبقته:
ولكن قبل أن نتحدث عن هذا التفسير، لا بد أن نتحدث حديثا موجزا عما سبقه من مقدمات أدت إليه، فإن مثل هذا التفسير الجامع الكبير، لا يمكن أن ينشأ دفعة واحدة، دون محاولات ومقدمات، ساعدت على ولادته عملاقا..
فقد وضع هذا التفسير فى النصف الثانى (١) من القرن الثالث الهجرى تقريبا، ولم يكن معنى ذلك أن السنين التى زادت على المائتين والخمسين قبله لم يكن فيها تفسير، بل كان فيها تفسير ومفسرون، اشتهروا بقولهم فيه، فى كل عاصمة من عواصم العالم الاسلامى: فى مكة، والمدينة، وبغداد، والكوفة، والبصرة، ودمشق، ومصر.
وغيرها من بلاد الأندلس والشمال الافريقى، وكان الراغبون فى التفسير يرحلون إلى هؤلاء المشهورين ويأخذون عنهم..
لكن التفسير كان شأنه كشأن كل علم اسلامى فى نشأته، نشأ صغيرا مبعثرا، ثم تجمع وكبر بمرور الزمن، وبذل الجهود.
ونحن نعرف أن عصر التدوين للعلوم الاسلامية بمعناه الواسع، لم يظهر إلا فى أيام الدولة العباسية، وكانت هناك تدوينات سبقت هذا العصر، فى عهد