الأمويين وما قبله، لكنها لم تأخذ المظهر القوى، الذى أخذته فى عهد العباسيين، الذى نضجت فيه العلوم الاسلامية المتنوعة ودونت، وكان منها علم التفسير..
وكانت الصفة البارزة للذين تعرضوا لتفسير القرآن، تهيبهم من القول فيه بآرائهم واعتمادهم على ما وصل إليهم من روايات يتناقلونها، منها الصحيح ومنها الضعيف أو الموضوع أو المستمد من الاسرائيليات.. ولم يصل إلينا من هذه التفاسير شيء منسق، وإن كنا عرفنا بعض أصحابها. مما تناقله الرواة عنها فى الكتب التى بين أيدينا..
وقد أثر هذا الجو على الطبرى، فكانت عنايته البالغة بالرواية، وإن لم يمنعه هذا من أن يدلي برأيه موافقا لها أو مخالفا، فكان تفسيره يمثل دائرة معارف ضخمة فى كل العلوم التى كانت سائدة فى هذا العصر وتتصل بتفسير القرآن، وذلك بسبب نبوغ الطبرى واتساع دائرة معارفه واستفادته من الجو العلمي الذى عاش فيه..
على أن هذا التفسير العظيم الذى أخذ شهرة واسعة، وتقديرا عظيما من كبار العلماء عند ظهوره حتى ليقول أبو حامد الأسفرائني المتوفى سنة ٤٠٦ هـ- ١٠١٥ م عنه «لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل كتاب تفسير محمد ابن جرير لم يكن ذلك كثيرا» أقول إن هذا التفسير على عظمته اندثر ونامت نسخه فى بعض المكتبات الخاصة.. فمرت قرون وهو مندثر، دون أن يعرفه أحد، اللهم إلا بعض نماذج، وورقات مبعثرة، كانت تشير إليه، وتثير تلهف العلماء عليه.. حتى نجد المستشرق «نولدكه» يكتب فى سنة ١٨٦٠ م بعد أن اطلع على نماذج من هذا التفسير، «لو حصلنا على هذا الكتاب لاستطعنا أن نستغنى عن كل كتب التفسير المتأخرة عليه، ولكنه يبدو للأسف. مفقودا بالكلية، ولقد كان مثل كتاب التاريخ الكبير لنفس المؤلف نبعا لا ينضب استمد منه المتأخرون حكمتهم (١).

(١) نقلا عن كتاب مذاهب التفسير لجولد تسهير تعليق المرحوم الدكتور عبد الحليم النجار ص ١٠٨ المطبوع ١٩٥٥ بمطبعة السنة المحمدية..


الصفحة التالية
Icon