ويذكر «روم لاندو» فى كتابه «الإسلام والغرب» (١) تحليلا لذلك بعد أن يدركه ويعجب به، ويرى أن الدافع إليه عند المسلمين:
رغبة متقدة فى اكتساب فهم أعمق للعالم كما خلقه الله.
قبول للعالم المادى لا بوصفه دون العالم الروحى شأنا ومقاما، ولكن بوصفه صنوا له فى الصحة والسوخ.
واقعية قوية تعكس فى صدق وإخلاص طبيعة العقل العربى اللاعاطفى.
فضولهم الفهم الذى لا يعرف الشبع فى المعرفة.
وأخيرا وأولا أن الدين والعلم فى نظر الإسلام لم يول كل منهما ظهره للآخر، ويتخذ طريقا معاكسا، بل كان الأول عندهم باعثا من البواعث الرئيسية للثانى.
اعتقادهم بأن كل ما فى الوجود صادر عن الله، وكاشف عن قدرته، ولذا فهو جدير بالمعرفة والتأمل: من وجد الصوفى إلى قرصة البعوضة، إلى انطلاق السهم، إلى مرض الطاعون. إلى غير ذلك من المظاهر، كله من الله، فيجب أن يدرس ويعرف حق المعرفة.
وقد روى أن عمر بن الحسام كان يقرأ يوما كتاب «المجسطى» فى الرياضيات السماوية «الفلك» لبطليموس على أستاذه الأبهرى، فدخل عليهما بعض الفقهاء، فقال لهما: ما الذى تقرءانه؟ فقال الأبهرى: «أفسر آية من القرآن الكريم وهى قوله تعالى:
أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (٢)
فأنا أفسر كيفية بنائها.
فهكذا كان الربط عندهم بين العلوم المختلفة والقرآن الكريم.. فكلها نابع منه، وخادم له.
(٢) سورة ق/ ٦.