فابن عباس لا يقف هذا الموقف، أو يحمل هذه الحملة، إلا لأنه رأى أن إقبال المسلمين على التعلم من أهل الكتاب، والتأثر بهم، قد أصبح ظاهرة تنذر بالخطر.. وهى ظاهرة تشبه الظاهرة التى تقلق الكثيرين منا الآن، والتى تتمثل فى الإقبال على كل ما يرد لنا من الغرب من أفكار وأنظمة، والإعجاب بها، مع عدم الالتفات الواجب إلى كتابنا وعلمنا وأفكارنا.. وذلك يشبه التهيؤ النفسى لفقد الثقة بالنفس فى أمر مهم يتصل بصميم كيان المسلمين، وكتابهم.. ألا ترى لقول ابن عباس لهم: (ولا والله ما رأينا رجلا منهم قط يسألكم عن الذى أنزل عليكم) فلم إذن تعتمدون على علمهم وتثقون بكلامهم؟.
فلم يحمل ابن عباس على هذا الهجوم- إذن- إلا الخطر الذى أحسه من الاندلاق على معلومات أهل الكتاب فى أمور لا تلزم المسلمين. ولا ينقص من شأنهم عدم العلم بها، بل ربما شوّشت عليهم ونخرت عقولهم.
فهل يعقل مع هذه الصرخة والشدة أن ينقل ابن عباس عن أهل الكتاب ويصدقهم؟!!
ومع ذلك فان هذه الظاهرة تبين لنا إلى أى حد اختلطت معلومات المسلمين- فى القصص وأمثالها- بمعلومات أهل الكتاب، مما يدعونا إلى الشك فى كل رواية فى هذا الموضوع، حتى ولو رويت عن رجل ثقة لا نشك فى عدالته. ، إذ من الذى أنبأه وخبره؟ ومن أين استقى العلم الذى يقوله؟..
وكثير من المزيفين زيفوا على العدول روايات، ونسبوها إليهم.. وإننا لا نستطيع القول بأن الناس- كل الناس- قد امتنعوا عن مساءلة أهل الكتاب، أو أن هذه الظاهرة التى أقلقت ابن عباس قد اختفت، وقضى عليها فى كل مجتمعات العالم الإسلامى حينذاك، بمجرد أن ابن عباس أو غيره ممن يكون قد هالته هذه الظاهرة قد نبه وقرع الأجراس.
حديث آخر
وهناك حديث لا بد من إيراده هنا، فإنى أعرف أن كثيرا من القراء المتخصصين سيذكرونه، وهم يقرءون هذا الإنكار على من يأخذ من أهل الكتاب فى تفسير القرآن، أو ربما ذكروه فيما كتبوا.


الصفحة التالية
Icon