هذا الحديث فيما رواه البخارى عن عبد الله بن عمر هو: «بلغوا عنى ولو آية، وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج. ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) (١) فبعض المشتغلين بالتفسير من العلماء يرون أن هذا يفيد إباحة النقل، والتحدث عن أهل الكتاب فيما يروونه وينقلونه من كتبهم!!
ولا بد لنا حينئذ من وضع الحديث الأول هنا بجانب هذا الحديث- وكلاهما رواه البخارى (٢) - يقول عليه الصلاة والسلام «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم وقُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ.. » الآية (٣).
فأصبح أمامنا حديثان: الأول.. يدعونا إلى ألّا نصدق أهل الكتاب، ولا نكذبهم فيما يروونه من كتبهم، ومعنى هذا أننا لا ننقل عنهم، لأن النقل يؤدى إلى ترويج كلامهم، وحمل الناس على تصديقه، لا سيما إذا كان الناقل موثوقا به عند الناس.. والنتيجة أننا لا يصح أن نحدث عن بنى اسرائيل. والثانى يقول: (بلغوا عنى ولو آية وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج) ويأتى هذا الأمر بعد الأمر بالتبليغ عن الرسول ولو آية.. كأنهما بميزان واحد أو متقاربان على الأقل فى إفادة العلم وفى ضرورة الثقة!!
والحديثان فى ظاهرهما لا يمكن أن يصدرا عن الرسول.. فلا بد اذن من شىء خفى يحتاج إلى التأويل فى معنى الحديثين حتى يلتقيا..
وقد سبق أن بينا معنى حديث (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم) وقلنا إن مجال تحقيق هذا الحديث وتنفيذ ما جاء فيه، هو ما لم يرد فيه نص من القرآن أو السنة.. مثل ما سكت عنه القرآن من تفاصيل القصص.. فلا يصح أن ننقلها عنهم، ونحكى للناس لون كلب أهل الكهف، ونوع خشب سفينة نوح الخ..
(٢) فى فتح البارى ص ١٢٠ ج ٨.
(٣) ١٣٦ - من سورة البقرة.