والقارئ يعلم بلا شك تلك الظروف التى عاش فيها رسول الله ﷺ والمؤمنون القليلون معه فى مكة مدة ثلاث عشرة سنة.. كما يعلم الظروف التى عاش
فيها الرسول مع صحابته بعد ذلك فى المدينة.
وكلها ظروف تحتم توجيه أكبر قسط من الجهد والعناية للأمور الأكثر أهمية بالنسبة للدين الجديد: من الدعوة إليه والتمسك بمبادئه وتشريعاته من ناحية، والدفاع المستميت عنه ضد أعدائه من ناحية أخرى، أو بلغة العصر الحديث:
إقامة بناء جديد قوى للدعوة فى الداخل، ودفاع وحماية لها من أعدائها فى الخارج.
وهذا هو الذى كان، فلقد انصرف الرسول وصحابته بكل ما يسعهم من جهد وطاقة، إلى تدعيم العقيدة فى النفوس، والعناية بالتطبيق لكل ما جاء به الدين من تشريعات، والاستعداد التام لمجابهة كل عدو والوقوف أمامه. [وهذا يعنى أن الناحية العلمية كانت هى الجانب الأهم فى حياة الرسول والمؤمنين، وكان المسلمون ينصرفون إليها بكل جهودهم ووقتهم، بعد أن يعلمهم الرسول القائد، ما عليهم من واجبات..
ثم لا ننسى أنه كان عليهم واجبات معيشية أخرى غير واجبات دينهم..
[ولا ننسى أيضا أنهم مع حرصهم الشديد على التجاوب التام مع دينهم، وعلى حفظ القرآن، لم يستطع أكثرهم متابعة ما ينزل على الرسول ﷺ من القرآن بالحفظ والاستظهار.. ولم يكن هناك أمر فى القرآن، ولا فى كلام الرسول، يوجب عليهم استظهاره كله.. لأن ذلك شىء قد يشق عليهم، ولا يستطيعون احتماله، والله لا يكلف نفسا إلا وسعها.. وليس المهم الحفظ والاستظهار، وإنما المهم فى الدرجة الأولى: التنفيذ والعمل.. وهو ما حرصوا عليه، وقاموا به.
صحيح أن الرسول ﷺ كان يحرص على أن يحفظوا، وكانوا هم الآخرين يتسابقون إلى الحفظ، ويعتبرونه مفخرة، لكن ذلك كله لم يصل إلى حد أن كل واحد منهم قد وجد الفرص الكافية لحفظ القرآن كله... وإن كان كل واحد لم يفته أن يحفظ شيئا من القرآن قليلا أو كثيرا..


الصفحة التالية
Icon