كالرشاش فى (الفاضى والمليان) وقبل الشرح أحيانا، وخارج موضوع المدرس أحيانا، ولو استرسل المدرس مع السائل لتشتت الموضوع، وضاع الوقت، وتبرم الباقون، ولو سكت الطالب (المتسائل) لجاءه الشرح الذى ينبغى له أن يفهمه، ولا يزيد عليه، وخرج هو وزملاؤه بالفائدة المرجوة..
ثم ماذا ربح السائل: أين أبى؟ «حين قال له: فى النار.. ومعروف أن الذين ماتوا على الكفر مآلهم النار كما قال عمر ملطفا حدة الموقف، ثم هذا الذى سأل: من أبى؟ أكان يضمن- كما قالت له أمه توبخه- أن أمه علقت فيه من غير أبيه فكان يفضحها أمام الجميع ويفضح نفسه؟ جو اندفع إليه الصحابة، ولم يكن لائقا أبدا بهم ولا بالرسول ومهماته..
فكان لا بد للرسول أن يغضب من هذه الحالة التى تضيع الوقت وتبعد المسلمين عن الطابع الجدى الوقور، الذى يجب أن يكون طابع مجالس الرسول، ومجالس العلم بعامة، وطابع الجد الذى يعيشون فيه،
ومن هذا يتضح جليا سبب الغضب، ويبعد عن الأذهان ما قد يناوشها- من أن الرسول لم يكن يجب أن يسأل عن بيان أمر شرعى، يتصل بتصحيح عقيدة المؤمن وعمله، لأن ذلك يتنافى مع طبيعة الرسالة ومهمة الرسول..
ولعل الأمر يزداد وضوحا إذا ذكرت هنا آية أخرى فى هذا المقام- ولو أن الاستطراد سيطول- لكن هذه النقطة لا بدّ أن أوضحها تماما.. ولا أترك لها مخلفات فى الأذهان.. هذه الآية من سورة المجادلة تقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ١٢ (١)
كيف هذا؟
هل مناجاة الرسول ومحادثته تقتضى أن يتصدق المتحدث قبل أن يقدم على مناجاته؟