أليس الرسول مبينا، ومن مهمته أن يتحدث للناس ويستمع إليهم؟
بلى. من مهمته ذلك. ولكن حسن خلقه وسيره على طبيعته السهلة أطمع كل من حوله فى أن يتحدث معه، ويناجيه، وقد ينفرد به، وقد يشغله، وقد يقتحم عليه أوقات راحته، وقد يتحدث معه فى توافه الأمور، فكان تواضعه وحسن خلقه سببا فى إيجاد شىء من عدم الدقة فى فهم مقام الرسول، وما ينبغى أن يكون عليه الحديث معه.. ولما يجب من توفير وقته للمهم من الأمور، أو كما نقول سببا فى «رفع الكلفة» فى الحديث معه، فكان لا بد من وقفة، أو من هزة تنبه الجميع إلى ما يجب أن يكون عليه الحديث مع الرسول، فليس هو مثلهم. إنه رسول.. وإذا كان قد رباه ربه على التواضع، فليس معنى ذلك أن تزيلوا كل حجاب، أو ترفعوا الكلفة بينكم وبينه وتشغلوا كل وقته بأسئلتكم ومحادثاتكم.
إن مقامه عظيم، ومقام المحادثة معه عظيم، يقتضى أن يقدم من يريد الحديث معه صدقة. نعم. لا حجاب، ولا حراس، ولا استئذان ولكن صدقة من مال، أفهمتم مقام الرسول؟ أفهمتم خطورة التحدث معه؟ لا بد أن تتأدبوا. لا بد أن تحتاطوا.
وعرفوا قدر المحادثة مع الرسول ومناجاته وقيمة وقته، وأحجموا.. حتى أقرب الناس إليه وهو على رضى الله عنه، لما أراد أن يحدثه، قدم صدقة قبل أن يتحدث معه، ثم تحدث.. وكان المهم أن يعوا هذا الدرس، ويعلموا أنهم يتحدثون مع رسول الله، ولا بد أن يكون الحديث جديا مناسبا لمقامه.
وقد فهموا هذا ووعوه، ثم أدركتهم رحمة الله سريعا وأعفتهم من هذه الصدقة، لكن بعد أن فهموا وتعلموا، فقال الله لهم أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ١٣ (١)
ومنه حفظكم لمقام الرسالة والرسول وتأدبكم فى الحديث معه.

(١) المجادلة/ ١٣.


الصفحة التالية
Icon