وفى معنى هذا أيضا يقول الله «لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا «من أواخر سورة النور، وقوله فى أوائل سورة الحجرات «يأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون، إن الذين يغضّون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم، إن الذين ينادونك من وراء الحجرات (كما ينادون أمثالهم) أكثرهم لا يعقلون، ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم».
أدب مع النبوة يجب أن تتأدبوا به. فلما غفلوا عنه غضب الرسول وغضب الله له. حتى لا يكون هؤلاء (المتنطعون) سببا فى الإثقال على غيرهم.. كما قال الله «إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ، وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ». وكما قال الرسول:- «لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم».
ولقد كان هذا الدرس نافعا ومفيدا، بل ذهب إلى نفوس الصحابة إلى أكثر من مداه.. وهذا هو شاهدنا وموضع هدفنا من الآية وأثرها..
فلقد تخوف الصحابة من السؤال، أى سؤال، وتحرجوا منه، مما يمكن أن نعده رد فعل لما كانوا عليه أولا، قبل أن يغضب الرسول وتنزل الآية.. فقد أداهم الخوف والخشية إلى أن يحجموا عن الأسئلة، خوفا من أن يبدو منهم ما قد يكون محل مؤاخذة فآثروا العافية.. والرواية الآتية تبين لنا إلى حد آثروا العافية وتخوفوا الأسئلة..
روى مسلم فى صحيحه عن أنس رضى الله عنه قال «كنا نهينا أن نسأل رسول الله ﷺ عن شىء، وكان يعجبنا أن يجئ الرجل الغافل من أهل البادية (أى الذى لم يبلغه أمر النهى كما بلغنا) فيسأله ونحن نسمع (١)، وأخرج الإمام أحمد فى مسنده عن أبى أمامة قال:- «لما نزلت، يأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء» الآية، كنا قد اتقينا أن نسأله ﷺ فأتينا أعرابيا،