الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ، أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) (١).
حتى ليمكننا أن نقول إنه لما كان عدم معرفة الرسول بالكتابة والقراءة ارتكازا لحجة من حجج رسالته، ونزول القرآن عليه من عند الله، كان عدم معرفة قومه بالعلوم وبالتاريخ ارتكازا آخر لحجة من حجج رسالته، وكون القرآن منزلا عليه من الله، إذ لم يكن من قومه من يعرف ذلك حتى يقال إنه تعلمه منهم.
فحين أراد أعداؤه المشركون الطعن فيه، وفى صحة نزول القرآن عليه، قالوا: إن ما يقصّه من أخبار الماضين إنما هو من تعليم هذا الرومى المثقف المهاجر إلى مكة، المقيم فيها، فنزل القرآن يرد عليهم: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ، لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ، وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (٢).
ولو كان لدى العرب عامة علم بهذه الوقائع، أو لو كان لدى خاصتهم علم بها، لما لجأوا إلى اتهام الرسول بالتعلم من هذا الرومى، أو لكروا بعد رد الله عليهم هذا الرد، بأنه يتعلم من فلان العربى صاحب اللسان العربى. ولكنهم لم يجدوا عربيا عالما أمامهم بهذه القصص، حتى يسندوا إليه تهمة تعلم الرسول منه...
وهكذا كانت أمية الرسول وأمية قومه وعدم المامهم بالعلوم من ممهدات الرسالة، أو من ركائز صدقها، ودلائل صحتها..
ولعل فى هذا الكفاية فى الدلالة على خلو البيئة العربية التى نزل فيها القرآن، من العلم بتاريخ الأمم والرسل السابقين، وكانت أرقى بيئة عربية فى الجزيرة فى ذلك الوقت.
فكل ما ساقه الله سبحانه- اذن- من قصص الأمم السابقة، عن رسلها والصالحين من عباده، إنما كانت قصصا بكرا لم يعرفها العرب من قبل. بل استمدوا معرفتها من القرآن وحده..
(٢) آية ١٠٣ من سورة النحل.