ولهذا قال علماء البلاغة فى هذا الجواب إنه من الأسلوب الحكيم.. أى الجواب بغير ما سأل عنه السائل، لصرفه عن موضع سؤاله، ايحاء له بأن كلا من سؤاله والجواب الحقيقى عنه غير مناسب، بل المناسب أن يسأل عما كان الجواب فعلا عنه.. وهو فائدة تغير القمر بهذه الأشكال التى نراها.. حتى قال بعض المفسرين فهما لقوله تعالى عقب ذلك مباشرة
وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها (١) قالوا: إن ذلك يشبه أن يكون تقريعا لاتجاههم إلى ذلك السؤال، الذى لا يحتملون الاجابة الحقيقة عنه، وكان الأولى أن يقتصدوا فى الأسئلة، ولا يتعرضوا لما هو فوق طاقتهم العلمية.. فمثل هذا السؤال كمن أتى البيوت من ظهورها وقفز من نوافذها وسار إلى الشيء من غير طريقه المناسب له. وليس هذا برا، ولكن البر أو الصواب هو اتقاء مثل هذه الأساليب، فى الأسئلة لعدم مناسبتها لكم..
هكذا علل بعض المفسرين سر اتصال أجزاء الآية بعضها ببعض، وهو فهم فى الآية على كل حال، يقوم على حالة واقعة، هى عدم معرفتهم بمسائل العلم التى تؤهلهم لادراك الجواب الحقيقى على سؤالهم..
وهذا مثال من القرآن نفسه يوضح لنا ما نقول عن واقع الصحابة العلمى حين نزول القرآن..
والنتيجة:
والذى نريد أن نصل إليه من هذا كله:
أن الصحابة لم يكونوا مؤهلين بمعرفة عن تاريخ الرسل وأممهم فوق ما جاء فى القرآن. فكل زيادة فى هذه الناحية، إن ثبت ورودها عن الرسول قبلناها، وإلا أبعدناها
عن تفسير القرآن، اللهم إلا إذا وجدنا حفريات ونقوشا تضيف لنا جديدا عمن تحدث عنهم القرآن..
كما أن الصحابة لم يكونوا مؤهلين بمعرفة علمية عميقة أو شبه عميقة عن

(١) البقرة/ ١٨٩.


الصفحة التالية
Icon