وذلك بخلاف ما عداه مما لم يرد فيه بيان نبوى، ولا تدعو الحاجة للخوض فيه فإنهم تورعوا عن الكلام فيه محافظة على النهج الذى ساروا عليه أيام الرسول.. وقد روى أن أبا بكر سئل عن معنى آية من القرآن فقال: أى سماء تظلنى وأرض تقلنى، إذا قلت فى القرآن برأيى، أو بما لا أعلم. وقد سبق أن ذكرنا أن عمر رضى الله عنه ضرب واحدا من المسلمين ضربا موجعا حتى كاد يؤدي بحياته وهو عبد الله بن صبيغ- لأنه كان يكثر من السؤال عن معنى- المرسلات والعاصفات والصافات، ولم يتركه حتى تاب ورجع عن هذا المسلك.
ومع هذا روى أن أبا بكر أجاب لما سئل عن معنى (الكلالة) الواردة فى موضعين من سورة النساء، وأن عمر أيضا سأل عن معانى بعض الكلمات التى كانت خافية عليه كما سبق مثل (تخوف) فى قوله تعالى: «أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ» فى سورة النحل.
وهذا يدلنا على أن الكلام السابق لأبى بكر (أى سماء تظلنى) الخ.. كان خاصا بناحية فى القرآن، وهى التى تتصل بالمتشابه أو بالمطوى من حوادث القصص، لأنه تحرج-
جريا على النهج الرسولى- من الكلام فى هذه الناحية.
ولم يتحرج من تفسير معنى الكلالة الواردة فى آيتين من آيات المواريث، لأن ذلك يتصل ببيان ألفاظ أحكام عرفوها، ولا بد لهم أن يبينوها.. أما تحرجه فيما تحرج عن الكلام فيه، فلأنه يحتاج إلى نقل صحيح، ولم يكن هذا النقل متوفرا لديه، فعدّ الكلام فيه حينئذ من أبواب الكلام بالرأى.. وهو لا يريد أن بخوض هذا المجال، تورعا منه، وتشبثا بالمنقول.
وكان سلوك أبى بكر هو السمت الغالب على الصحابة فى عهده وعهد عمر تقريبا.. وامتد بعدهما ولكن عند الورعين الذين ألزموا أنفسهم حسن الاتباع
ثم بدأت الظروف تتغير:
فلو كان الاسلام ظل قاصرا على البيئة التى تركه الرسول فيها، لكان من الممكن أن يظل النهج الرسولى سائدا مسيطرا على الناس مدة طويلة
ولكن ذلك لم يكن، فقد اتسعت رقعة الاسلام، ودخله أناس يحملون


الصفحة التالية
Icon