ثقافات وأفكارا، ونفسيات مختلفة، واختلطوا بالصحابة فى المدينة، أو ذهب الصحابة إلى بلادهم، ولم يكونوا جميعا عربا، يفهمون العربية والقرآن بسليقتهم كالعرب، فاحتاجوا إلى بيان معنى ما يسمعون أو يقرءون، ولم يكونوا ملتزمين بالنهج الذى سار عليه الصحابة مع رسول الله ازاء القرآن وكان من الضرورى الاجابة عما يسألون أو يثيرون من شبهات، أو يطلبون من بيانات..
وكان من هؤلاء الداخلين فى الاسلام جماعة لا زال ماضيهم يشدهم إليه، فلم يكونوا مخلصين للدين الجديد، فأخذوا يثيرون الشكوك، ويزرعون الألغام فى طريق المسلمين المخلصين، حول القرآن والتعاليم الاسلامية بعامة..
وكان بجوار هؤلاء نبت جديد فى البلاد العربية، أو بتعبير العصر، جيل جديد، لا شك أنهم كانوا أكثر تطلعا من الجيل السابق عليهم، وأكثر جرأة وتطلبا لفهم ما يغلق عليهم فهمه من القرآن الكريم.
كما أن الأحداث العنيفة التى أثارها النزاع حول الحكم فى وقت مبكر بعد وفاة الرسول، قد شغلت المسلمين بها، وأضعفت فيهم المثالية التى كانت سائدة من قبل، وأوجدت عند كل فريق رغبة فى التماس الحجة له من القرآن
وكان الموقف يقتضى الاقتصار على فهم الآيات بمقتضى أسلوبها العربى المفهوم لدى الصحابة أو تابعيهم من العرب، مع الاستعانة فى بعض الأحيان بما يكون قد روى عن الرسول.. ثم التوقف عن الخوض فيما لا يمكن الخوض فيه.. كآية متشابهة. أو حادثة مطوية فى قصة. أو ظاهرة كونية. كالرعد والبرق مثلا..
وهذا بالفعل ما تمسك به الورعون من الصحابة وتابعيهم الذين التزموا النهج الأول. فكانوا يقلون من تفسير القرآن، ويتحرجون من الجرأة على الكلام فيه كأبى بكر، ويفوضون ما لم يعلموا رواية فيه عن الرسول، أو لم يكن ظاهرا واضحا عندهم، إلى علم الله.. معتبرين السؤال عنه بدعة، يجب على الانسان المؤمن البعد عنها. وهذا ما يبدو واضحا مما نعرفه من قول الامام مالك رضى الله عنه، لمن سأله عن معنى الاستواء، فى قوله: «الرحمن على العرش استوى» فقال الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة.


الصفحة التالية
Icon