كان هذا الجواب يمثل مسلك المتحفظين الذين يتهيبون ابداء رأيهم الخاص فى تفسير القرآن، ولا سيما الأمور المشتبهة فيه.. ولكن لم يكن من الممكن فرض هذا المسلك على المجتمع الاسلامى كله، مع الظروف التى طرأت عليه، وسبق أن أشرنا إليها، والتى ولدت تيارا جديدا فى هذا المجتمع، يفرض على العلماء فيه، أن يتحدثوا عما يثار من أسئلة، وعما تتطلع إليه النفوس من توضيح ما يشكل فهمه عليهم من القرآن، والرد على بعض الشبه التى يثيرها المسلمون وغيرهم ممن اختلطوا بهم. حتى لا تظل هذه الشبه وهذه التساؤلات قائمة، تفعل فعل عوامل التعرية فى النفوس.
وهنا نجد الكثيرين ينشطون لسد هذه الثغرات، وازالة هذه الشبهات، وارضاء هذه التطلعات ولكنهم يسلكون الطريق الذى يكون أكثر تأثيرا على المجتمع أو الجمهور فيه، وهو طريق الرواية.. عن الرسول أو عن الصحابة..
فإذا لم يجدوا.. نسبوا إلى الرسول أو الصحابة أقوالا.. وجد أن أكثرها غير صحيح النسبة بعد غربلته.
وكثيرا ما كانت هذه الأقوال مستمدة من الإسرائيليين الذين أسلموا، ولجأ إليهم بعض الصحابة أو التابعين ولا سيما فى قصص الأنبياء والأمم السابقة- باعتبار هؤلاء الإسرائيليين أصحاب ثقافة قديمة، وعندهم كتب تحدثت عن هؤلاء الأنبياء.. ويمكنهم ايضاح بعض ما طواه القرآن من أحداث السابقين.
وكان بعض هؤلاء الإسرائيليين المسلمين يتمتعون بثقة الصحابة والتابعين دينيا كما ذكرنا. وكانوا حين يسألون لا يمسكون عن الإجابة، بل يتحدثون بما يعرفون من قبل عن هذه القصص.. والسائلون يأخذون منهم الجواب ويتحدثون عن قصص القرآن.. والآخرون ينقلون عنهم، وهكذا حتى يصبح كلام هؤلاء الإسرائيليين رواية رواها فلان عن فلان.. وتلتصق بتفسير القرآن، وتصبح جزءا مهما من هذا التفسير..
وهكذا.. أصبح من المتيسر لدى المتحدثين فى تفسير القرآن أن يجدوا لدى كل آية روايات تفسرها.. مع أن الرسول لم يترك إلا القليل جدا من تفسير القرآن..