وكان المتبع فى ذلك الوقت الحرص على الرواية، وذكر الأشخاص الذين اضطلعوا بها، تحرجا من التفسير بالرأى الذى لم يكن ينظر إليه نظرة سليمة فى ذلك الوقت، مما اتاح فيما بعد للنقاد البصيرين بالرجال أن يتتبعوا الرواة وينقدوهم، ويرفضوا ما يجدون فيه سببا للرفض..
كما نجد فى تفسير الطبرى وأمثاله من سرد الروايات ولكن لم يكر عليها بالنقد، فترك القراء فى دوامة، ولا سيما من لم تكن عندهم خبرة بالرجال الذين رووا هذه الروايات، وهم الكثرة الغالبة جدا من القراء.. وهذه التفسيرات- فى رأيى- هى التى وضعت حجر الأساس فى نشر الروايات الإسرائيلية والمدسوسة الموضوعة وترويجها فى الأجيال المتعاقبة.. ولا يشفع لهم أنهم ذكروا سند الروايات. فليس كل قارئ لها عليما بأحوال رواتها.. أو غيورا على القرآن والاسلام، يحرص على تنقيتها من الدخيل فيها.. وقد فتح هؤلاء بابا واسعا لمن أتى بعدهم فى الاعتماد على ما تقول هذه الروايات، دون ذكر السند وكأنه قضية مسلمة ولا سيما فى التفاسير الصغيرة، فرأينا الكثيرين ممن اشتغلوا بالتفسير يتوسعون فى سرد هذه الأقوال الإسرائيلية منها وغير الإسرائيلية. وزاد الطين بلّة أن الأحاديث الموضوعة راجت وكثرت، حتى كادت تطغى على الأصيلة، «فالعملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من السوق» وشارك بعض المسلمين المخلصين مشاركة فعالة فى هذا الوضع- وبحسن النية مع الأسف- ليشدوا الناس إلى القرآن، كالأحاديث التى تذكر مع كل سورة لبيان فضلها وثواب قارئها، ترغيبا فى قراءة القرآن لأن الناس فى ذلك الوقت كانوا قد عنوا بالجدل والعلوم الأخرى- كما يقول وضاعو هذه الروايات- وانصرفوا عن العناية بالقرآن.
ولست أريد أن أشغل القارئ هنا بنقل النصوص الدالة على ذلك كله من الكتب التى عنيت بهذه المسائل لأن هذه القضايا أصبحت معروفة مسلما بها لدى المشتغلين بالتفسير (١)