هذا الطريق، لا سيما ونحن نعرف أن الصحابى كان يحرص الحرص كله، على أن يسند الرواية إلى الرسول، إذا كان حقا قد سمعها منه، ليزداد شرفا بالرواية عن رسوله من جهة، وليكسب كلامه مهابة وتوكيدا من جهة أخرى، ولا سيما فى مثل هذه الأمور الغيبية التى تحتاج لتدعيم وتقوية.
فامتناعه أو عدم تصريحه حينئذ، بروايته عن الرسول، مع الحالة التى كانت قائمة بالأخذ عن بعض مسلمى أهل الكتاب فى مثل هذه الأمور، يوجب علينا أن نحتاط، فلا نقبل رواية بهذا الشكل، أعنى الرواية عند الصحابى التى لم ينسبها صراحة إلى الرسول..
وهذا- فى رأيى- يختلف عن قول الصحابى أو عمله فى حكم من الأحكام، لأنهم لم يكونوا يسمحون لأنفسهم بمعرفة شىء من ذلك، أو من العقائد، عن مسلمى أهل الكتاب.. والرسول ﷺ وضح كل ما يتصل بذلك قولا وعملا. ، فإذا عمل أو تكلم الصحابة أو تابعوهم ممن كانوا فى المدينة أو خرجوا منها وكانوا على حال يوثق فيها بهم وبعلمهم، فإن من الجائز حينئذ أن نفهم أن قولهم فى الحكم أو عملهم، معتمد على عمل أو قول منسوب إلى رسول الله ﷺ وإن لم يصرحوا بنسبته إلى الرسول.. وهذا ما كان يأخذ به الامام مالك رضى الله عنه فى مذهبه، مما سمى بقاعدة عمل أهل المدينة.. وإن نازعه فى ذلك بعض الفقهاء، ممن لم يسلموا للامام مالك بحجة عمل أهل المدينة.. والاستناد إليه فى تقرير حكم من الأحكام..
وقد يقول بعض الناس: وما الضرر فى أخذ مثل هذه الروايات، أعنى الموقوفة على الصحابى فى أمور لا مجال للعقل فيها، ما دامت لا تتصل بتقرير عقيدة أو حكم شرعى، ولكنها زيادة تفاصيل لما ذكر مجملا من القصص أو الكون مثلا؟...
وأقول لهم: إن الضرر من هذا يرجع إلى تقييد عقولنا بفهم أو تفصيل خاص باعتبار أن ذلك صادر عن الرسول.. وقد تكون تلك الرواية متصلة بأحوال الآخرة فتدخل ضمنا فى تكوين عقيدتنا، أو فى تكميل الصورة عنها.