وكون فيها مدرسته التفسيرية.. وكان لكل من هؤلاء الصحابة تلامذة، أخذوا عنهم أقوالهم فى التفسير.. ولهؤلاء التلاميذ، تلامذة نقلوا عنهم.. وكل ذلك كان فى الصدور، لم يعن أحد منهم إلا قليلا بتدوين ما تلقاه فى كتاب، إذ كانت كتبهم هى صدورهم.. يحدثون الناس بما سمعوه من أساتذتهم من تفسير لآيات القرآن.. وبما يضيفونه إلى ذلك، من رواية سمعوها من غيرهم بطبيعة الأمر..
وكانت الأقوال فى تفسير الآيات كالهواء فى تنقلاتها بين الناس، ليس هناك ضبط لها، ولا بيان لصحيحها من غيره.. فاختلط فيها الصحيح القليل عن الرسول، بما وضع على لسانه، بما نقل عن معلومات أهل الكتاب.. مع تفسير للألفاظ وبيان لمعانيها حسب المفهوم العربى لها.. ولم يكن ذلك كله بشكل منتظم مرتب، ولكن على حسب الظروف وسؤال السائلين، أو رغبة الاستاذ لبيان آية من الآيات يقتضيها الحال..
وقد كان الأمر كذلك بالنسبة لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ كان التفسير جزءا منها غير منفصل.. وظل الأمر كذلك حتى نهض فى أواخر القرن الهجرى من المسلمين، رجال هالهم هذا الخلط الكثير فى الأقوال والروايات، واتجهوا إلى غربلتها، وتمييز الصحيح من غير الصحيح، بتتبع حال الرواة الذين رووها، والوقوف على مدى الثقة فيهم.. وكان ذلك منهم حرصا على تنقية ما نسب إلى الرسول ﷺ من أقوال غير صحيحة الانتساب، باعتبار أن الأحاديث الصحيحة هى المرجع الأول والأخير، سواء فى بيان معانى القرآن، أو فى بيان الأحكام، فوصلوا فى هذا المضمار إلى ما أرادوا، مما تميزت به صفحة الإسلام عن غيره من الأديان.