عصر التدوين
وقد ظل التفسير كغيره من العلوم. شائعا فى الهواء، متنقلا بين الصدور حتى اتجهت الأذهان إلى تدوين هذه العلوم فى كتب، ومنها التفسير، وذلك فى مستهل القرن الثانى الهجرى، فانفصل التفسير عن الحديث بعلم خاص، وإن ظل علماء الحديث يذكرون ما روى فيه من أحاديث الرسول:
ويذكر المرحوم الاستاذ محمد الفاضل بن عاشور مفتى تونس السابق ومن كبار علمائها (١) «أن أول من ألف فى التفسير هو عبد الملك بن جريج المتوفى ١٤٩ هـ»
كما يذكر ذلك المرحوم الأستاذ أحمد أمين (٢) وإن كان لم يقل إنه أول من ألف، ويقول عن تفسيره وعنه «كان شأنه شأن المحدثين الأولين يجمعون ما وصل إليه من صحيح وغير صحيح، وقد ذكروا «أن ابن (٣) جريج لم يقصد الصحة، وإنما روى ما ذكر فى كل آية من الصحيح والسقيم» ولم يكن ابن جريج هو الذى ابتكر هذه المحاولة بل سبقه وزامله واتى بعده آخرون على نفس الخطة مثل تفسير السدى، ومقاتل، وغيرهم ممن تحدث عنهم السيوطى فى كتابه «الإتقان» الباب الثمانون- طبقات المفسرين. ولم تصل لنا هذه التفاسير فى كتب، وإن كانت آراء مؤلفيها قد نقلها غيرهم فى الكتب التى وصلتنا، وفى مقدمتها تفسير ابن جرير الطبرى..
بينما يقول الفاضل بن عاشور: إن هناك تفسيرا مهما وجامعا لم يعرف فى المشرق كما عرف فى المغرب، وإن لم يكثر تداوله، وهو تفسير «يحيى بن سلام»
(٢) فى كتابه ضحى الإسلامى ص ١٤٢ الطبعة الأولى نقلا عن الإتقان للسيوطى.
(٣) اسمه: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج من علماء مكة ومحدثيهم وأول من صنف الكتب بالحجاز أصله روميّ نصرانى ولد سنة ٨٠ هـ وتوفى سنة ١٥٠، لم يظفر بإجماع العلماء على توثيقه فيما يرويه ورماه كثير منهم بالتدليس ورواية الموضوعات..