الذى كان أول التفاسير ظهورا فى النصف الثانى من القرن الثانى الهجرى، والذى سار فيه أيضا على طريقة جمع الروايات المتداولة فى تفسير الآية، مما اقتضى جمع روايات متخالفة فى تفسير الآية الواحدة غير أنه كان يتعقبها بالنقد والاختيار.. فبعد أن يورد الأخبار المروية، مفتتحا إسنادها بقوله «حدثنا» يأتى بحكمه أو برأيه مفتتحا بقوله «قال يحيى» إلخ..
وهذه هى الطريقة التى سار عليها الطبرى فى تفسيره.. وهى طريقة التفسير الأثرى النظرى، وفيها شىء من التجديد والترقى عما سبقها، حيث يعتبر إيراد رأى المفسر، اختيارا لرأى أو رواية من الروايات، ورفضا لما عداها، أو نهجا فى التفسير يرتضيه.. ويحيى بن سلام ألف تفسيره وروى عنه بالقيروان من بلاد المغرب، وتوفى سنة ٢٠٠ هـ، والطبرى ولد سنة ٢٢٤ هـ فى المشرق فى طبرستان، ولكنه رحل إلى مصر، والشام، والعراق، التى توفى بها سنة ٣١٠ هـ، فهل يمكن القول بأنه اطّلع على تفسير يحيى بن سلام واستفاد منه؟.
ويقول الفاضل بن عاشور إنه «توجد نسخة من تفسير ابن سلام عظيمة القدر نسخت منذ ألف عام، موزعة الأجزاء بين المكتبة العبدلية بجامع الزيتونة، وبين مكتبة جامع القيروان، ومن مجموعها يتكون نحو الثلثين منها، ويوجد جزء آخر منها عند بعض العلماء لعله يتممها»
فهذا التفسير- إذن- لم يطبع حتى الآن، ولا عجب فى ذلك على أمة هذه حالها من ميراثها.. فقد ظل تفسير الطبرى بعد رواجه فى أوائل ظهوره وترجمته للفارسية- مخطوطا مهملا، وإلى عهد قريب لم يكن متداولا، حتى عثر على نسخة كاملة منه فى حيازة «أمير حائل» «حمود بن الأمير عبد الرشيد» من أمراء نجد، من نحو سبعين سنة فطبع عليها الكتاب (١) وصار متداولا معروفا لدى الخاصة والعامة، وأيضا من أهم المراجع فى التفسير.. جمع إلى الرواية النقد والاختيار للرأى الذى يراه. وكان يخطئ المفسرين الذى يعتمدون على مجرد الرأى واللغة.. ويعتبر تفسيره موسوعة ضمت إلى الروايات المتعددة، الثمينة

(١) التفسير والمفسرون للمرحوم الدكتور الذهبى ص ٢٠٨ نقلا عن كتاب المذاهب الإسلامية فى التفسير ص ٨٦.


الصفحة التالية
Icon