والغثة، دراسات فى اللغة، ونقد للروايات أحيانا، وأقوال السابقين واختيار الرأى الذى يراه أخيرا..
وقد جاء هذا التفسير الزاخر الضخم الموسوعة شبيها بنهر كبير، ضم مع الماء العذب كثيرا من القش والنفايات، وعلى القارئ وهو يسبح فى خضم هذا النهر أن يختار طريقه.. أو إذا أراد أن يشرب منه أن يعنى بتصفية الماء الذى يشربه.
. ولا شك أن هذا الكتاب وهو مخطوط قد عرف فى زمنه، وبعد زمنه، واطلع عليه طلاب العلم والعلماء، وأخذوا عنه، كما كتب الكثيرون من كبارهم يشيدون به بما لم يظفر به كتاب آخر، وكانت هذه الإشادة به من علماء المشرق والمغرب، وفى عصور متتالية، دليلا على تداوله.
وقد حذا كثير من العلماء منهج الطبرى فى التفسير، وإن زاد بعضهم عليه نقدا للروايات التى يذكرها حسبما عرف فى علم الجرح والتعديل لرواة الأحاديث، كابن كثير وعمدتهم جميعا الاعتماد على الرواية المأثورة فى تفسيرهم، ولا يمكن لنا تتبع ما كتب فى هذه الناحية بالحصر، وإن أمكن ذكر بعض التفاسير المشهورة، وإن تفاوتت شهرتها مثل: «بحر العلوم للسمرقندى، والكشف والبيان للثعلبى، ومعالم التنزيل للبغوى، والمحرر الوجيز لابن عطية، وتفسير ابن كثير، والجواهر للثعالبى، والدر المنثور للسيوطى» (١)
وتفسير ابن كثير تفسير متداول بيننا، حائز للقبول، ويمتاز فى اعتماده على الرواية بنقدها، وبيان قيمتها من الصحة أو الضعف، أو الغرابة أو الوضع..
وقد قام بعض الفضلاء بتجريده واختصاره..
وكان بجوار هذه التفاسير التى عرفت بأنها كتب التفاسير بالمأثور. كتب أخرى لم ينح أصحابها منحى الطبرى وإخوانه بل سلكوا طريقا آخر- وكانوا ممن يميلون للاعتماد على العقل والرأى- وعرفت هذه الكتب باسم «التفاسير بالرأى»، وهذا يعنى عندهم عدم الاعتماد الكلى أو غالبا على الروايات وسردها، بل الاعتماد على التصرف العقلى واللغوى والبلاغى والعلمى فى

(١) المرجع السابق ص ٢٠٤.


الصفحة التالية
Icon